الأدب والشعر

الواجب بين الإدراك والضمير الأخلاقي 

د.امال بو حرب

د.امال بو حرب

إن أهم الاسئلة المعرفية التي يمكن طرحها فلسفيا تلك التي طرحها “ايمانويل كانط” بعد أن بلغ السبعين من العمر و هي: ما الذي يمكن أن أعرفه؟ ما الذي ينبغي أن أفعله في هذه الحياة؟ ما الذي هو مسموح لي أن آمله وأرجوه؟ ما هو الإنسان؟هذه هي الأسئلة الأربعة الكبرى التي وجهت كل أعماله الفلسفية والسؤال الأول أجاب عنه من خلال كتابه الشهير (نقد العقل الخالص)وفيه بيَّن الحدود التي يمكن للعقل أن يذهب إليها أو لا يذهب و كان قفزة نوعية في الفكر والمعرفة فقد بين أن لا وجود للانسان بدون العلم بقيمة ذاته وعقله إذ ينبغي العلم بأن العقل البشري ليس قادراً على كل شيء على عكس ما نتوهم ولكنه قادر على أشياء كثيرة وينبغي أن نعرف ما الذي يمكن أن يكتشفه العقل بإمكاناته الخاصة وما لا يمكن أن يكتشفه وأساسه تقديره العقل للواجب إن الواجب كما يراه “ايمانويل كانط” فعل إلزامي نقوم به احتراما للقانون الأخلاقي الذي يشرعه العقل ومنطلق هذا الفعل  هو الإرادة الخيرة والحرة التي لا تخضع لمبدأ خارجي أو لميولات ذاتية ومصالح فردية لذلك فالواجب هو في حقيقته إكراه حر (أي أنه إلزام والتزام ) غير ان هيوم يميز بين نوعين من الواجبات نوع غريزي ونوع ‎ إلزامي اجتماعي وهذاالاخير يعنى بالميولات الذاتية الناتجة عن تحقيق المصالح الذاتية (الشخصية) وحب الذات والمقصود أن هيوم يرى في الواجب بعده التجريبي الجماعي وإن كان كائن عاقل-حسب كانط- ومن خلال تجربة الصراع بين الضمير والأهواء ينبثق المبدأ العقلي للواجب الذي يفرض أوامره على الشخص بشكل إكراهي فيلزمه بفعل حتى لو تعارض مع ميولاته فالواجب مرجعه العقل وغايته فقط احترام القانون الأخلاقي ومنطقه الإرادة الخيرة فلا قيمة للفضائل  بدون إرادة خيرة مطابقة للقانون الأخلاقي الذي يشرعه العقل ويتجسد على شكل أوامر قطعية نستخلص من المعطيات السابقة أهمية المجتمع والمحيط الاجتماعي وأشكال الثقافة في توجيه وتقنين السلوك الفردي فالإنسان فرد في المجتمع يتأثر به ويؤثر فيه يأخذ عنه قيمة وتصوراته الأخلاقية وقد يكون وعيه الأخلاقي مجرد صدى للوعي الجماعي ومن ثم  فإن المجتمع هو الذي يحدد الواجبات ويرسخها ويعمل بقوة على حفظها وإذا كان المجتمع يمارس سلطة على الواجبات وتحديد السلوك الأخلاقي فإن الاكتفاء بواجبات المجتمع قد يؤدي إلى خلق مجتمع منغلق على ذاته وبالتالي إلى خلق ممارسات منغلقة تولد الصراع بين المجتمعات في حين أن التركيز على القيم الإنسانية من شأنه أن يساهم في تقوية روح الانفتاح والتواصل مع الآخر وفي توطيد العلاقات السلمية بين المجتمعات فالواجب مرجعه العقل وغايته فقط احترام القانون الأخلاقي ومنطقه الإرادة الخيرة فلا قيمة للفضائل بدون إرادة خيرة مطابقة للقانون الأخلاقي الذي يشرعه العقل ويتجسد على شكل أوامر قطعية ومن هنا نقد الواجب الأخلاقي بمعناه الكانطي باعتباره مفهوم صوري صارم صرامة تقصي الأهواء تؤكد بعض الأطروحات الفلسفية أن الوعي الأخلاقي المتجذر في طبيعة الإنسان ذاتها أي أن الوعي الأخلاقي يوجد في الفطرة والغريزة ومن ثم فإن الإنسان يتجه طبيعيا إلى قبول الخير ورفض الشر وعليه فهل أن الأخلاق التي يحكمها مبدأ الواجب تقتصر على ضمير الفرد أم يؤطرها ضمير المجتمع؟ هل الواجب نسبي أم كوني؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى