عمر الإنسان والزمن العقلي


شيخة الدريبي
عمر الإنسان هو تعبير عن المرحلة التي يعيشهافي ذلك الوقت ولكن هل هناك عمر واحد للإنسان أم أن هناك عدة أعمار للإنسان؟ فهناك العمر الزمني وهو الذي يبدأ بولادة الإنسان ويختتم بوفاته وهناك العمر البيولوجي للإنسان وهو الذي يعبر عن كفاءة أجهزة الإنسان الحيوية فالبعض منا يستهلك أجهزته الحيوية أسرع من الآخرين وهو بذلك يكون أكبر عمرا من عمره الزمني والبعض منا يعيش حياة متوازنة وفيها من النشاط ما يعزز هذه الأجهزة ويقويها على تأدية وظائفها وبهذا يكون هذا الإنسان أصغر عمرا من عمره الزمني ونرى إنسانا في الخمسين أو الستين من عمره ولكن بفضل من الله سبحانه وتعالى وأجهزته الحيوية والكفاءة العالية في تأدية وظائفها يكون عمره البيولوجي ربما يقل عن ذلك بكثيروقد يكون في الخمسين من عمره الزمني ولكنه قد يكون في الثلاثين من عمره البيولوجي وهذا قد يمد في سنين عمره ليعيش حياة أطول من غيره وتراى شابا في شهادة الميلاد ولكنه شيخ وعجوز في السجل البيولوجي …
وإلى جانب العمر الزمني والعمرالبيولوجي العمر الفكري والعقلي فقد نجد إنسانا في الثلاثين أو الأربعين أو أكثر من عمره ولكنه ضحل التفكير وغير عقلاني ولا يدرك الأمور على حقيقتها على الرغم من كبر عمره الزمني إلا أن عقله ربما أصغر من شاب لم يصل إلى العشرين وقد يكون هذا الإنسان غير متعلم فالتعليم شيء والنضج الفكري والعقلي شيء آخر ومن أشد الابتلاء على الإنسان أن يعاشر في حياته إنسانا ضحلا في تفكيره ونجد هذا النوع يكثر بين الناس فالإنسان العالم من الصعب يعيش مع إنسان جاهل فوجوده يكفي ان يجعله يكره الحياةوقد نرى إنسانا غير متعلم ولكنه كبير بعقله وناضج برأيه ومتسع بفهمه وقد تلعب التربية دورا مهما في عملية نضج الإنسان فكرا وعقلا..
فالإنسان بسبب التربية الخاطئة تمتد طفولته الفكرية والعقلية إلى العشرين أو الثلاثين من عمره أو حتى أكثر وقد تنتقل مراهقته من العقد الثاني إلى العقد الثالث وربما الرابع من عمره وتجد المنطق الذي يتكلم به منطق طفولي ولا يتناسب مع عمره ولكن عن أي عمر نتكلم فنحن نتكلم مع إنسان ما زال يعيش في طفولته أو مراهقته هذا الإنسان عندمايتزوج بإنسانة ربما تصغره بسنوات من العمر الزمني ولكنها أكبر منه في عمرها الفكري ونضجها الذهني هل فكرنا بهذا النوع من الكفاءة بين هذين الزوجين؟ وكيف أن عدم التناسب بينهما ربما يؤدي بهما إلى الطلاق أو العيش في مشكلات وخلافات أسرية لا تنتهي ..
وللإنسان عمر آخر وهو عمر الخبرة التي يحصل عليها في مشوار حياته فهناك إنسان يراكم من الخبرة في عمله ومن أحتكاكه وتعامله مع الناس وهناك من يمر بها مرور الكرام فتراه على رأس العمل عقودا من ألزمن ولكن لا يعرف من عمله إلا القليل جدا وآخر تجده في زمن قصير وقد تعلم كل شيء له علاقة بعمله فهذا بالتأكيد عمره أكبر من ذلك الإنسان قليل الخبرة فكم من موظف أو عامل يمتلك مخزونا كبيرا من الخبرة المفيدة في عمله ولكننا نتعامل معه وكأنه لا خبرة له بل إن غيره ممن لا خبرة لهم يحصلون على تقدير أو ترقية أحسن منه فنحن نأخذ بالتعليم كمعيار في تحديد كفاءة الإنسان ولكننا لا نعطي للخبرة ولا نأخذ بها كمعيار مهم في تحديد الكفاءة ونعمل في ضوئها ونضع الشخص المناسب في المكان المناسب كما نعلم أن الخبرة ثروة وطنية فعلينا ان نتواصل مع أهل الخبرة لكي نتيح للغير الاستفادة منهم ..
وهناك للإنسان عمر عاطفي ايضا فقد يشتكي الزوج من أن زوجته تبالغ في طلبها للعواطف ومشاعر المحبة والاهتمام بها ما يتسبب في حدوث مشكلات بينهما وقد تكون الزوجة هي التي تشتكي من مطالبات زوجها المبالغ فيها بالاهتمام به وربما لا يعبر الزوج عن حاجته هذه إلا عندما تحدث مشكلة بينهما بل إن الزوج ربما يتسبب في مشكلة مع زوجته من أجل أن يوصل لها شعوره بعدم رضاه عن اهتمامها به وبرودة عواطفها التي تبديها له..
الرجل الذي لم يشبع عاطفيا في صغره سيبقى عمره العاطفي متخلفا عن عمره الزمني حتى يصحح له هذا الاختلال والحال نفسه ينطبق على المرأة وقد يكون الزوج الذي يضرب زوجته أو يكثر من الزعل هو زوج صغير السن عاطفيا فهو لا يجيد التعبير عن عواطفه ومشاعره ما يضطره إلى اللجوء إلى مثل هذه السلوكيات التي ربما لا تفهمها الزوجة ولا تجد لها مبررا منطقيا فكلما كان الإنسان أكثر توازنا في عواطفه وأكثر نضجا في سلوكياته كان أكثر قدرة على التعبير عن مشاعره وحاجاته النفسية ..
فعندما يتخلف الإنسان في عمره العاطفي فهو قد يكون كبيرا في السن لكنه صغير في داخله وطفل في عواطفه فالعواطف والمشاعر الدور الأكبر في توجيه الإنسان لا نريد أن نعيش كبارا ولكن بأعمار عاطفية صغيرة قد نغضب ونحتج بشدة عندما يسمع لنا رأيا أوموقفا ويطلق علينا بأننا أطفال فهو بالتأكيد ربما لا يعني أننا أطفال في العمر الزمني ولكننا قد نكون في رأيه أطفالا في تفكيرناوعواطفنا أو خبراتناولكن ثقافة المجتمع هي التي تحدد نوع هذه الكفاءة ودرجتها فقد ينشغل المجتمع بكفاءات شكلية وسطحية فالثقافة السطحية لا يتعدى عدد السنين من عمرها الزمني فالإنسان لزمانه عمر ولبدنه عمر ولفكره عمر ولخبرته عمر ولعواطفه ومشاعره عمر آخر فقد نكون حقا أطفالا في جانب من هذه الجوانب وإن كنا مكتملي الرجولة والأنوثة زمنيا وبدنيا ..