الأدب والشعر

أُميّةُ الرسولِ الأكْرمِ والبَردُونيّ  

مجيب الرحمن الوصابي

مجيب الرحمن الوصابي

ألمْ يكُنْ شاعِرُ اليَمنِ الأكْبرِ “عبدِاللهِ البردُوني” بالمعنى المعجميّ للكلمةِ “أميَا” لا يعْرفُ القِراءةَ والكتابةَ ؟

 

بلى !… كانَ أميَّا “لا يقرأُ ولا يكتبُ ” بسببِ الجدريّ الذي ذهبَ ببصرهِ– موقدا بصيرته – منذُ طفولتِه المبكرةِ. ومع هذا نرى له منجزا ثقافيا فكريا شعريا يفوق معاصريه “المبصرين”!

و هو بذلك لا يسجل حاله فريدة في التاريخ ! فقد سبقه كثير من الأعلام ممن لم تقف “أميتهم” المعجمية بسبب فقدهم نور أبصارهم أمثال : طه حسين عميد الأدب العربي، ورهين المحبسين”أبي العلاء المعري” الشاعر الراوي الفيلسوف ، وبشار بن برد ، والشيخ البيحاني وغيرهم.

ويقف مجليا وسابقا لكل أولئك الأعلام بأشواط النبي العربي الأمي محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، سيد ولد آدم، وأعظم شخصية غيّرت وجه التاريخ الى الأبد ،والمعلم الأول ، أيده الله بمعجزة بيانية القرآن الكريم كلام الله الأزلي ، المتعبد بتلاوته شفاهيا واللفظ المنطوق المسموع نزولا وتبليغا.

 

وإذا أدركنا أن سنة المصطفى صلى الله القولية والفعلية والتركية، قد وثقت كتابيا بعد أن كانت أحاديث وأخبار يتم تداولها شفاهيا بمدة طويلة، علمنا سبب” تقديمهم للرواية المتواترة شفهيا ” على الرواية المكتوبة !! فعندهم مرتبة السماع “سمعت”أعلى وثوقا من قرأت ” الوجادة ” في مراتب ودرجات تحميل الحديث أو الخبر عند علماء الحديث!

 

ويبدو اليوم أن السياق الكتابي الذي أخذنا به نستقي معارفنا وننتج بها نصوصنا قد جعلنا نعيد تقييم تراثنا من هذا المنظور والحكم عليه، فنتعجب من أمثلتهم المشهورة في ذم المعرفة المكتسبة، أو المنتجة عن طريق الكتابة كقولهم: “من كان أستاذه كتابه كان خطؤه أكثر من صوابه ” وقولهم:

“لا تأخذوا عن كاتب أو صحفي ” ونندهش من رسالة ألفها الجاحظ في ذم الكتاب أو الصحفيين.

 

إن الخطاب الذي أنتج ليتداول شفاهيا حيث يتم الأتصال المباشر الصوتي أو الإشاري بين صاحب الخطاب ومتلقيه يختلف بخصائصه عن ذلك الخطاب الذي صدر عن طريق الكتابة ليتم تداوله نصا مكتوبا وله أيضا خصائصه.

فمثلا نحن نطرب من سماع قصيدة من شاعر يجيد الإلقاء أكثر من قراءتها نصا مكتوبا، ونصاب بالملل من سماع خطاب يلقيه أحدهم من أوراق مكتوبة قصة قصيرة أو بحث أو مسرد من رواية ولو كان مؤديه فصيحا بليغا!

 

بعد هذا كله ألا ينبغي أن نعيد قراءة تراثنا العربي من زاوية أخرى نتخلى فيه عن وعينا الكتابي لنتمثل ذلك السياق الثقافي الحاضر والمؤثر في تراثنا العربي حيث الثقافة السماعية الشفاهية العالية متتبعين خصائصها ومميزاتها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى