بين قاعدتين


سيد جعيتم
بين قاعدتين
واحدة هاي لايف
والثانية كحيتي
وسط البذخ والترف جمعتني الصدفة لجلسة بين صفوة القوم، من الباشوات والبهوات.
تداخلت رائحة البرفانات المتعددة مع رائحة السيجار فأفسدت بعضها، تمنيت بعض الهواء النقي.
قدمت لنا الشاي في طقم فاخر شابة ملامحها آسيوية،
تطرق الحديث للأعمال والموضة والكافيار وأمراض العصر من ضغط وسكر، ثم انحدر بعد أن دارت الكاسات لأخبار الراقصات.
في أحد الأيام الباردة الممطرة تعطلت بنا العربة أنا وأحد أصدقائي في منطقة نائية، لمحنا بعض أكوام الخشب ومواد البناء، اقتربنا سمعنا صوت جميل يغني:
ـ يا برتقان يا أبو دمه، الولا خطب بنت عمه، جه على عرضه ولمه، يا حبيبي .
خفير حراسة بجوار عشه بناها من الخشب وأكياس البلاستيك، وأمامه راكية نار.
قبل أن نلقي السلام أتانا صوته ـ مرحب بالبهوات.
جلسنا بجواره علي الأحجار ، حول النار، وضع علبة صفيح ( كأبريق للشاي) يدها من سلك ملفوف ومجدول، يكسوها لون الهباب الأسود، لقم الشاي وتركه يغلي ثم أضاف عليه السكر وهو يغلي، ملئت رائحة الشاي الذكي أنوفنا، صبه وقدمه لنا.
حديثه أدخل الدفء لأوصالنا، شربنا أكثر من كوب، رفض أن يتناول منا سجاير، تعلل بانه يدخن الجوزه.
أخرج الرجل الجوزه صنعها من علبة صفيح وفوقها مثبت حجر يرص فوقه المعسل ( التبغ) والفحم ، دار بيننا الحديث عن الغربة بعيدًا عن الأهل والأحباب، ولقمة العيش، وجدناه راضيًا حامدًا لربه.
سألته عن الصحة ومن يخدمه في هذه البقعة البعيدة عن العمران، قال:
ـ الصحة بمب والحمد لله، أخدم نفسي بنفسي ، ثم أردف ( الاتكال على حمارك خير من الاتكال على حصان جارك).
تمنيت أن تطول القعدة، فقد انعكس شعور الرجل بالرضى علينا.
أتت سيارة لتقلنا. شكرته،مددت يدي ببعض النقود ردها وظهر الحزن على وجهه.
ـ بتشتمني يا بيه، انتم ضيوفي
بعد كل هذه السنين ما زال طعم شاي الرجل في حلقي
بقلم:
سيد جعيتم
جمهورية مصر العربية