هي وعالمها الخاص


مريم عبدالرحمن الهوتي
طاولة وكرسي ،ومكينة خياطة
بل بستان زهورٍ وفواكه هكذا كُنتُ اراها ..
هي وعالمها الخاص
نزلت دمعاتٌ من عينيها حين مر مشهد الفتيات من نظيراتها وهن يجلسن على طاولة التدريس ليتعلمن الكتابة والقراءة .. بينما هي محكومٌ عليها الجلوس امام طاولة الخياطة .
لم يراها احد وهي تبكي ، إلا خيوطها
كانت حزينة ، ولم يواسها إلا أغانيها القديمة .. ولم يسمعها إلا تلك المكينة الصامتة .
كلما علق الثوب في سن المخيط كسر الإبر ، كان يمر طيف ذلك الشاب الذي تعلق به قلبها .
تذكرته حين اخرج من جيبه حبة من الحلوى المستوردة قد احضره من اول سفر له ثم لمعت على خديها الدمع مسحتها بكفها الدافي مرة اخرى ، وداست بقدمها على مشغل المكينة ..
وبدأت تخيط دون توقف لساعاتٍ طويلة والصوت عالي ٍ
بالكاد تلتقط كلمات الاغاني مسامعها من بين صوت المكينة المزعجة .
لكنها احبت الصوت وكأن بينه وبين أغانيها إنسجام .
قوالب الخيوط المرمية على الطاولة كأنها ورودٌ ملونة ، والفراشات المرسومه النائمة على مكينة الخياطة لن تصحو إلا صباحاّ معها وبها ولها كي تحوم حول يديها كلما امسكت بقطعة القماش المزهَرة .
كانت الفراشات ترى الطاولة بستاناً وأصابعها اغصان ورود ٍ يانعة ..
وتبقى لساعاتٍ طويلة في عالمها الخاص ، إلى أن تقرض الشمس خديها القطنية فتحمر .
تخرجُ تنهيدة ً من قلبها ثم تتوقف عن الخياطة وتقلب طرف الطاولة كصفحة كتاب كان بين يديها فأنتهت من قرائته ..