مذكرات الولد الشقي..الكتاب


فايل المطاعنى
في زمن لم تكن فيه الشاشات الذكية قد سلبت قلوبنا بعد، كان الكتاب هو نافذتنا السحرية إلى العالم. وكان “الولد الشقي” لا يشبه باقي الأولاد – لا من حيث شقاوته، ولا من حيث شغفه بالقراءة! تخيلوا طفلًا يتنقل بين صفحات الأدب كما يتنقل بين مغامرات الحارة، بين مجلة “ماجد” وكتب “أجاثا كريستي“، بين ضحكة وبين حلم بأن يكون ضابط شرطة… ثم يصبح كاتبًا يحصد الجوائز!
هذه المذكرات ليست مجرد سرد لحكاية صبي شقي… بل هي رحلة في ذاكرةٍ تشبه صندوق العجائب: فيها حب الكتب، وعبق الطفولة، ولمعة الحنين، والكثير من الضحك (مع رشة فوضى خفيفة، كعادة الشقيين الطيبين!).
الكتاب
اقتناء كتاب في تلك المرحلة من عمري لم يكن بالأمر العادي… بل كان أمنية، وحين كانت تتحقق، كنت أحتفل بها وكأني عثرت على كنز صغير تحت وسادتي.
أتذكر تمامًا أول كتاب اشتريته: عن معركة “تل عفر” العراقية، وكان من إصدار وزارة الثقافة العراقية في ذلك الوقت. بعده بدأت رحلتي مع الكتب – أخذت ألتهم الصفحات كما ألتهم سندويتش الفلافل بعد اللعب.
من أوائل الكتّاب الذين فتنتُ بأسلوبهم، كان الأستاذ محمد المر، الكاتب الإماراتي المعروف، والذي أذهلني بسرده الساحر.
تخيلوا الولد الشقي – الذي كان يقرأ له خلسة تحت البطانية – يلتقيه يومًا ما وجها لوجه، بعد أن أصبح كاتبًا!
صدقوني، تلك الصدفة كانت أجمل من أي حبكة بوليسية اخترعتها لاحقًا.
قرأت أيضًا للأستاذ إحسان عبد القدوس، وأكاد أجزم أنه لا يوجد أحد من جيلي لم يقرأ له.
أما أجاثا كريستي؟ فكانت بمثابة “مدربتي الخاصة” في عالم الجرائم. كنت أحب أسلوبها، وأحب الزيّ الشرطي أكثر! حلمت طويلًا أن ألتحق بكلية الشرطة، لكن الملازم محمد المحروقي وضع حدًا للحلم قائلاً:
> “أنت لا تصلح تكون شرطي، نظرك ضعيف!”
وقد كان ملازمًا حينها… وأظنه الآن فريقًا – ربما بفضل قراره التاريخي برفض انضمامي!
لكن، كما يقول المثل: إذا أُغلِق بابُ الشرطة، فافتح نافذة الأدب البوليسي!
وحبي للشرطة تَرجَم نفسه في قصصي:
“جريمة على شاطئ العشاق” (التي فازت بجائزة أفضل قصة بوليسية لعام 2024م)،
و**”الأرملة السوداء”، و”مقتل عائشة”، و”اختطاف رجل الأعمال سعيد زهران”**،
وغيرها من القصص التي اتخذت الطابع المحلي – بنكهة تحقيقات الحارة، وأصوات الجيران، وقطة الجيران التي تعرف كل الأسرار!
أحببت الكتب منذ نعومة أظفاري، وكنت أحلم بيوم الأربعاء فقط لسبب واحد: شراء مجلة “ماجد”!
كنا نحن جيل “ماجد”، وكان الأربعاء هو العيد الصغير.
ولا أنسى أغنيتنا الطفولية:
> يلا يا حصة معانا أنت،
و”موزة” و”راشد” نجري نشتري ماجد!
(أعتذر إن نسيت كلمات الأغنية، فالذاكرة أحيانًا تعمل بنظام “قراءة فقط”!)
الكتب لم تكن مجرد أوراقٍ مجلدة… كانت صديقي في الوحدة، ودليلي في الحلم، ونافذتي إلى عوالم لم تطأها قدماي.
وها هو “الولد الشقي” الذي عشق الكتب، يشاغب بالحروف بدلًا من المقالب، ويطارد الجرائم على الورق بدلًا من الشوارع.
وقد لا أكون دخلت كلية الشرطة، لكنني حتمًا أصبحت محققًا في عالم القصص!
فإلى كل شقيّ صغير يحمل كتابًا بدل المقلاع، أقول لك:
استمر… فربما تكون قصتك القادمة هي الأفضل!