من آداب اللباس


حسن بن محمد منصور مخزم الدغريري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله ، والصلاة ، والسلام على رسول الله ، وعلى آله ، وصحبه ، ومن والاه ، ثمَّ أمَّا بعد :
أخي القارئ الكريم : إنَّ الإسلام دينٌ عظيم ما ترك شيئاً إلا بيَّنه ؛ ووضِّحه ؛ وفيه من النفع العظيم ما فيه ؛ في الدنيا ، ويوم الدين ؛ ومن ذلكم آداب اللباس ؛ التي جاءت بها شريعتنا الغراء ؛ ومنها ما يلي :
1 – الدعاء عند لبس الجديد من اللباس ؛ سواءً كان ثوباً ؛ أو غيرَه ؛ وقد جاء في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ؛ قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استجد ثوبًا سمَّاه باسمه ؛ عمامةً ؛ أو قميصًا ؛ أو رِداءً ، ثم يقول : اللهم لك الحمد ؛ أنت كسوتَنِيه ، أسألك خيره ، وخير ما صنع له ، وأعوذ بك من شره ، وشر ما صنع له ) رواه الترمذي في سننه ، وحسَّنه ، وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع برقم 4664 وقال صلى الله عليه وسلم : ( من لبس ثوبًا ، فقال : الحمد لله الذي كساني هذا الثوب ، ورزقنيه من غير حولٍ مني ، ولا قوة ؛ غُفر له ما تقدَّم من ذنبه ) رواه الترمذي في سننه ، وحسَّنه ، وحسَّنه أيضاً الألباني في صحيح الجامع برقم 6086 .
2- من آداب اللباس : البداءة باليمنى عند اللبس ؛ ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لبس قميصًا بدأ بميامنه ) رواه الترمذي في سننه ؛ وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع برقم 4779 وقال صلى الله عليه وسلم : ( إذا لبستم ، وإذا توضأتم ؛ فابدؤوا بميامنكم ) رواه أحمد في مسنده ، وصحَّحه الألباني في مشكاة المصابيح برقم 401 وفي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمُّن في تنعُّله , وترجُّله , وطهوره , وفي شأنه كله ) .
3- من آداب اللباس أخي القارئ : الحرص على حسن المظهر ; وخاصةً عند الصلاة في المسجد ؛ قال الله تعالى : ( يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدْ) ( الأعراف : 31 ) أي عند كلِّ صلاة ، وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال : ( أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرأى رجلًا شَعِثَاً قد تفرَّق شَعرُه ، فقال : أما كان يجد هذا ما يسكِّن به شعره ، ورأى رجلًا آخر ، وعليه ثياب وسخةٌ ، فقال : أما كان هذا يجد ماءً يغسل به ثوبه ) رواه أبو داود في سننه ، وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع برقم 1333 وفي صحيح مسلم أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ( لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرةٍ من كبرٍ ، قال رجلٌ : إنَّ الرجل يحبُّ أن يكون ثوبه حسنًا ، ونعله حسنةً ، قال : ( إنَّ الله جميلٌ يحب الجمال ، الكِبْر بَطَر الحق ، وغَمْط الناس ) .
4- من آداب اللباس أخي القارئ : عدم إطالة الثوبِ أو غيرِه أسفل من الكعبين للرجال ؛ وهذا أدبٌ من أعظم آداب اللباس ؛ وباسبال الثياب الاثم العظيم ، والذنب الكبير ؛ قال صلى الله عليه وسلم : ( ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار ) رواه البخاري في صحيحه ، وهذا إذا كان اللبس للثياب دون الكعبين بدون كبرٍ أو خيلاء ؛ وأمَّا إذا كان لبساً لها مع كبرٍ ، وخيلاء ؛ فإثمه أشد ، وعقوبته عند الله أعظم ؛ قال صلى الله عليه وسلم : ( ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَومَ القِيامَةِ : المَنَّانُ ؛ الذي لا يُعْطِي شيئًا إلَّا مَنَّهُ ، والْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بالحَلِفِ الفاجِرِ ، والْمُسْبِلُ إزارَهُ ) أي دون الكعبين ؛ وفي رواية : ( ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ ، ولا يَنْظُرُ إليهِم ، ولا يُزَكِّيهِمْ ، ولَهُمْ عَذابٌ ألِيمٌ ) وفي رواية : ( مَن جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاءَ ، لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إلَيْهِ يَومَ القِيامَةِ ) رواها جميعاً مسلم في صحيحه .
والواجب اخي القارئ أن تكون ثياب الرجال مرفوعةً فوقع الكعبين ؛ ويستحب أن يكون رفعها إلى نصف الساق ؛ قال صلى الله عليه وسلم : ( أُزرة المؤمن إلى أنصاف الساقين ؛ لا جُناح ؛ أو لا حرج عليه فيما بينه وبين الكعبين ، ما كان أسفل من ذلك ؛،فهو في النار ، لا ينظر الله إلى من جرَّ إزاره بَطَرًا ) أي كبراً ؛ والحديث رواه أحمد في مسنده ؛ وصحَّح الحديث الألباني في صحيح الجامع برقم 921 .
أخي القارئ : والواجب أيضاً أن تكون ثياب المرأة طويلةً إلى ما تحت الكعبين ؛ ويستحب أن تطيلها المرأة إلى مقدار ذراعٍ ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( مَن جرَّ ثوبه خُيَلاء لم ينظرِ الله إليه يوم القيامة ؛ قالت أمُّ سلمة رضي الله عنها : فكيف يصنعنَ النساء بذيولهن ) أي ثيابهنَّ ( قال : يُرخين شبرًا ، فقالت : إذاً تنكشف أقدامهنَّ ، قال : فيُرخينَه ذراعًا ، لا يزدن عليه ) رواه الترمذي في سننه ، وصحَّحه الألباني في صحيح الترمذي برقم 1731 .
5- من آداب اللباس : عدم لبس الثياب الرقيقة والضيقة , وخاصة من النساء ؛ لأنَّ المطلوب من المرأة المسلمة شرعاً التستر ، والحجاب حمايةً لها من أيدي العابثين ، وطمعاً بالتزامها بسترها وحجابها رضاً رب العالمين ؛ قال صلى الله عليه وسلم : ( صِنفانِ من أهل النار لم أرَهما : قومٌ معهم سِياطٌ كأذناب البقر يضربون بها الناس ، ونساءٌ كاسياتٌ عارياتٌ مُمِيلاتٌ مائلاتٌ ، رؤوسهنَّ كأسنمة البُخْت المائلة ، لا يدخُلْن الجنة ، ولا يجِدْن ريحها ، وإنَّ ريحها ليُوجَد مِن مسيرة كذا وكذا ) رواه مسلمٌ في صحيحه .
6- من آداب اللباس : اجتناب تشبُّه الرجال في لباسهم بالنساء ، واجتناب تشبه النساء في لباسهنَّ بالرجال ؛ فقد روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : ( لعن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المتشبِّهين من الرجال بالنساء ، والمتشبِّهات من النساء بالرجال ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( ليس منَّا من تشبَّه بالرجال من النساء ، ولا من تشبَّه بالنساء من الرجال ) رواه أحمد في مسنده ؛ وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع برقم 5433 .
7- ومن أعظم المحرمات في اللباس للرجال : لبسهم للحرير الطبيعي ، والذَّهَب ؛ قال صلى الله عليه وسلم : ( حُرِّم لباس الحرير ، والذهب على ذكور أمتي ، وأُحِلَّ لإناثهم ) رواه الترمذي في سننه ؛ وصحَّح الحديث الألباني في صحيح الجامع برقم 3137 وفي حديث عبدالله بن عباس رضي الله عنهما : ( أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ رأى خاتماً من ذَهَبٍ في يدِ رجلٍ ؛ فنزعَهُ ، وطرحَهُ ، وقالَ : أيعمَدُ أحدُكُم إلى جمرةٍ من نارٍ ؛ فيجعلُها في يدِهِ ؛ فقيلَ للرَّجلِ بعدما ذَهَبَ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ : خُذ خاتمَكَ ؛ فانتفِع بِهِ ، قالَ : لا واللَّهِ لا آخذُهُ أبدًا ؛ وقد طرحَهُ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ) رواه مسلمٌ في صحيحه .
وأمَّا لبس الخاتم من فضة للرجال ؛ فهو جائز ؛ لما رواه البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما ، قال : ( اتَّخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتماً من وَرِق ) أي من فضة ( وكان في يده ، ثم كان بعدُ في يد أبي بكرٍ ، ثم كان بعدُ في يد عمر ، ثم كان بعدُ في يد عثمان ؛ حتى وقع بعدُ في بئر أَرِيس ؛ نَقْشُه : محمد رسول الله ) .
أخي القارئ : ويكون لبس الخاتم في الخنصر في اليد اليمنى ؛ أو اليسرى ؛ لما رواه النسائي في سننه ؛ وصححه الألباني في صحيح النسائي برقم 5298 عن علي رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يتختَّم في يمينه ) ؛ ولما رواه مسلم في صحيحه عن أنس رضي الله عنه ، قال : كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم في هذه ، وأشار إلى الخنصر من يده اليسرى ) .
8- وأخيراً يا اخي القارئ : من آداب اللباس : ذكر الله تعالى عند خلع الثوب : وخاصة عند بدو العورة المغلظة ؛ لقول الله تعالى : ( إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ) ( الأعراف : 27 ) ولقوله صلى الله عليه وسلم : ( سترُ ما بين أعين الجن ، وعَوْرات بني آدم إذا دخل أحدُهم الخلاء ، أن يقول : بسم الله ) رواه الترمذي في سننه ؛ وصححه الألباني في إرواء الغليل برقم الألباني في الإرواء برقم 50 .
نسأل الله أن يجعلنا واياكم من أتباع نبيه صلى الله عليه وسلم في جميع أقواله ، وأعماله ؛ ومن الذَّابين عنه ، وعن سنته ؛ وأن يجمعنا برسله ، وأولياءه في جنات النعيم ، ووالدينا ، ووالديهم ؛ وجميع المسلمين ؛ اللهم آمين .