قبول الأعمال


حسن بن محمد منصور مخزم الدغريري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وعلى آله ، وصحبه ، وبعد :
فإنُّ الله خلقنا لعبادته ، وأوجدنا لطاعته ، وحتى تكون عبادتنا مقبولةً عند الله ؛ فلا بد فيها من شرطين أساسيين :
١ ) الإخلاص لله تعالى في العبادة .
٢ ) المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم فيها .
يقول الله تعالى : ( فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ) ( الكهف : ١٠١ ) ولهذا قيل لأبي علي الفُضيل بن عياض : ” يا أبا علي ؛ ما معنى أحسن العمل؟ قال : أخلصه وأصوبه ؛ قيل : ما أخلصه؟ وما أصوبه؟ قال : إنَّ العمل إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يُقبل ، وإن كان صوابًا ولم يكن خالصًا فلم يُقبل ، حتى يكون خالصًا صوابًا . قيل : يا أبا علي ، ما هو الخالص الصواب؟ قال : الخالص : أن يكون لله ، والصواب : أن يكون على السنة ” يقول الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي رحمه الله :
شرط قبول السعي أن يجتمعا
فيه إصابةٌ واخلاصٌ معا
لله ربِّ العرش لا سواه
موافق الشرعِ الذي ارتضاه
أخي القارئ الكريم : الإخلاص لله : معناه أن تفرد الله بالعبادة من شوائب الشرك ؛ فلا تقصد بعبادتك أحداً غير ربك تبارك وتعالى ؛ لأنه الخالق ؛ المالك ؛ المتصرف في خلقه أجمعين ؛ وقد قال الله تعالى : ( قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ۚ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ ۚ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ ) ( يونس : ٣١ ) .
أخي القارئ : لابد من أن تخلص عبادتك لربك ؛ لتكون خالصةً من الشرك ؛ قال الله تعالى : ( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ) ( البينة : ٥ ) وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي : ( قالَ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالَى : أنا أغْنَى الشُّرَكاءِ عَنِ الشِّرْكِ ، مَن عَمِلَ عَمَلًا أشْرَكَ فيه مَعِي غيرِي تَرَكْتُهُ وشِرْكَهُ ) رواه مسلم في صحيحه .
فالواجب عليك أن تحذر من صرف العبادة لغير الله ؛ من ملكٍ مقرَّب ، أو نبيٍّ مرسل ؛ أو وليٍّ صالح أو غيرهم من المخلوقات ؛ فلا يجوز صرف العبادة لأحدٍ من الخلق ، ومن صرفها ؛ لغير الله فقد كفر أو أشرك ؛ وقد سأل عبدالله بن مسعود رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فقال له : ( أيُّ الذنبِ أعظمُ قال : أن تجعلَ للهِ نِدًّا وهو خلقكَ ، وأن تُزَاِنيَ بحليلةِ جارِكَ ، وأن تقتلَ ولدَكَ أَجْلَ أن يأكلَ معَكَ أو يأكلَ طعامَك ) رواه البخاري ومسلم .
ولأجل التحذير من الشرك أرسل الله الرسل ، وأنزل الكتب عليهم ؛ وشرع الله الجهاد في سبيل الله ؛ ورتَّب الوعيد الشديد في الدنيا والآخرة على الوقوع في الشرك ؛ وصدق الله تعالى : ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ ۚ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ) ( النحل : ٣٦ ) وقال تعالى : ( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) ( الأنفال : ٣٩ ) وقال تعالى : ( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ۖ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۖ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ )( المائدة : ٧٢ ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ لَقِيَ اللَّهَ لا يُشْرِكُ به شيئًا دَخَلَ الجَنَّةَ ، ومَن لَقِيَهُ يُشْرِكُ به دَخَلَ النَّارَ ) رواه مسلم في صحيحه .
والمتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم تعني أن تفعل العبادة كما فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فتتطهر كطهارته ، وتصلي كصلاته ؛ وتصوم كصومه ، وتحج كحجه ؛ وتقتدي به صلى الله عليه وسلم في كل أقواله ، وأفعاله ، وتصرفاته ؛ عقيدةً ، وعبادةً ، ومعاملةً ، وأخلاقاً ، وسوكاً ؛ وقد قال الله تعالى : ( لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ) ( الأحزاب : ٢١ ) وقال تعالى : ( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )( آل عمران : ٣١ ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( لا يُؤْمِنُ أحدُكم حتى أكونَ أحبَّ إليه من ولدِهِ ، ووالدِهِ ، والناسِ أجمعينَ ) رواه البخاري ومسلم ؛ والمحبة للنبي صلى الله عليه وسلم تقتضي متابعته صلى الله عليه وسلم حتى تكون عبادتنا مقبولةً ؛ قال الله تعالى : ( إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ) ( المائدة : ٢٧ ) وقال تعالى : ( وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ) ( المؤمنون : ٦٠ ) وعكس الاتباع الابتداع في دين الله فالحذر كلَّ الحذر منها ؛ كيف وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( من أحدَث في أمرِنا – أو دينِنا – هذا ما ليس فيه فهو رَدٌّ ) وفي لفظٍ : ( من عمل عملًا ليس عليه أمرِنا فهو رَدٌّ ) رواه البخاري ومسلم .
أخي القارئ : حتى تكون متابعاً للنبي صلى الله عليه وسلم عقيدةً ، وشريعةً ، ومعاملةً ، وأخلاقاً ، وسلوكاً ؛ وحتى تثاب عليها دنياً وأخرى ؛ فعليك أن تطلب العلم الشرعي من كتاب الله عز وجل ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ؛ على أيدي أهله المتخصصين فيه من العلماء السلفيين الراسخين في العلم ؛ وعلى طلابهم المتمكنين منه ؛فتحرص على الجلوس إليهم في مساجدهم ، وبيوتهم ، وسائر مجالسهم ؛ وتستفيد من علومهم وتتابع مواقعهم الالكترونية الرسمية المفيدة ، وتسأل عما أشكل عليك من أمور دينك ؛ حتى تتفقه في دينك ؛ وترفع الجهل عن نفسك ، وعن غيرك من أهل الإسلام ؛ وتدافع بهذا العلم عن دينك الحق من تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين ، وقد قال الله تعالى : ( يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) ( الصف : ٨ – ٩ ) وكم هو الفضل العظيم الذي رتبه الله على طلب العلم الشرعي ؛ ليتسابق إليه المتسابقون ؛ قال الله تعالى : ( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚوَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) ( المجادلة : ١١ ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( من سلك طريقًا يطلبُ فيه علمًا سلك اللهُ به طريقًا من طرقِ الجنةِ ، وإنَّ الملائكةَ لتضعُ أجنحتَها رضًا لطالبِ العِلمِ ، وإنَّ العالِمَ ليستغفرُ له من في السماواتِ ومن في الأرضِ والحيتانُ في جوفِ الماءِ ، وإنَّ فضلَ العالمِ على العابدِ كفضلِ القمرِ ليلةَ البدرِ على سائرِ الكواكبِ ، وإنَّ العلماءَ ورثةُ الأنبياءِ ، وإنَّ الأنبياءَ لم يُورِّثُوا دينارًا ولا درهمًا إنَّما ورَّثُوا العِلمَ فمن أخذَه أخذ بحظٍّ وافرٍ ) رواه أبو داود في سننه ، وصحح الحديث الألباني في صحيح أبي داود برقم ٣٦٤١ .
وفَّق الله الجميع لما يحبه ويرضاه ؛ وجنبنا وإياكم ما يغضبه ويأباه ؛ وأن يجعلنا وإياكم من أنصار دينه ، الذابين عن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وأن يحشرنا جميعاً في زمرته ، وسائر عباده الصالحين في جنات النعيم . اللهم آمين .