مقالات

حين يصبح الحب صفقة

د. هنيدة بنت نزيه قدوري

د. هنيدة بنت نزيه قدوري

اتعجب كثيرًا عندما اسمع عبارات تهديد بالحب تتكرر من معظم المربيين أو الآباء لأبنائهم بطريقة لاشعورية فعلى سبيل المثال ( أحبك إذا حصلت على درجات عالية، أنت ابني المفضل لأنك مؤدب دائمًا، إذا لم تساعدني في العمل المنزلي لن أسمح لك باللعب مع أصدقائك ، إذا لم تأكل طعامك سأكون غاضبًا منك ، في حال أنهيت واجباتك المدرسية سأسمع ما تريد قوله، إذا رتّبت غرفتك سأحبك…….) وغيرها من العبارات التي تترك آثارًا نفسية عميقة ممتدة وتؤثر على ثقة الطفل بنفسه وعلاقاته المستقبلية، وهذا الأسلوب في التعامل الذي يربط حب المربي أو الوالدين للطفل بسلوكياته أو إنجازاته، فيشعر الطفل أن الحب مكافأة تُمنح عند تحقيق شروط معينة، وتسحب عند الإخفاق أو ارتكاب الأخطاء وهذا ما يسمى بالحب المشروط للأطفال أو المساومة ( افعل ما أريد لأعطيك ما تُريد) ويعد هذا النوع من الحب شكل من أشكال العنف الرمزي الذي قد يستخدمه بعض المربيين أو الآباء كأداة للعقاب أو لتهذيب السلوك والسيطرة عليه، والبعض يعتقد أنه وسيلة للتحفيز ودفع الأبناء نحو التطوير والارتقاء بهم ، ولكن التهديد بالحب يدفع الطفل للقيام بتصرفات؛ لنيل استحسان المربي أو الأهل وتوقعاتهم، فيؤدي إلى مشاكل نفسية فيما بعد تجعله يصل لمرحلة كُره الذات، وحينها يصبح الحب صفقة وخطر يهدد طفولته الآمنة؛ لربط القيمة الذاتية للطفل بتحقيق توقعات أو معايير معينة أو إنجازات مطلوبة مما يؤثر على تقدير الطفل لذاته وفقدان الهوية الفردية وعدم القدرة على التعبير عن الذات ، فيفقد الثقة بنفسه إذا فشل والخوف من الفشل والنتائج السلبية تؤدي إلى ضعف القدرة على اتخاذ قرارات مستقلة وضعف المرونة في مواجهة التحديات وبالتالي الشعور بالقلق والتوتر وفقدان الحب والقبول والأمان واللجوء إلى العزلة أو الانسحاب العاطفي ؛لحماية نفسه من الرفض ،والسعي المفرط لإرضاء الآخرين وبالتالي صعوبة تكوين علاقات صحية مستقبلية.

ونجد أن الكثير من الدراسات تؤكد على “أن للأطفال الحق الأخلاقي في أن يكونوا محبوبين”، لذا يجب على المربين والآباء تجنب الوقوع في فخ الحب المشروط أو المقايضة وإنقاذ قلوب أطفالهم وتحقيق الطمأنينة النفسية لهم والوعي بحق حصولهم على الحب دون مطالب بتخصيص وقت للطفل من أجل التواصل العاطفي والسماح لهم بالتعبير عن مشاعرهم (أحبني بلا شروط فقلبي ليس مرهونًا بقيود) وأن يحرص المربيين والآباء على التعبير عن حبهم لأطفالهم في جميع الأوقات وخاصة عند صدور السلوك الخاطئ من الأطفال؛ لكسب ثقتهم وإشباع احتياجاتهم النفسية مع فصل هوية الطفل عن سلوكياته بانتقاد الفعل لا الشخص وإظهار التعاطف والفهم عند الفشل أو الخطأ والاحتفاء بالمحاولات وليس فقط التركيز على النتائج فقط مع تقديم الدعم اللازم لهم بغض النظر عن السلوك أو الأداء ( حتى لو لم تنجح اليوم.. أنا فخور بمحاولتك، أنا هنا بجانبك مهما حصل )وأن نتقبل الأبناء وشخصياتهم بضعفها وقوتها، بسلبياتها وإيجابياتها، ومساعدتهم على النمو والنجاح في حياتهم المستقبلية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى