القاعدة الصفرية


أميرة الحداد
تيارات الحياة تأخذنا إلى مسارات عديدة بعضها سهلة ميسرة، جمال يسرها يجعلنا نتناغم معها ونسير فيها مستمتعين بتفاصيلها، حتى أننا نسلم ولا نفكر سوى أن نسير مطمئنين.. ويقابلها مسارات أخرى غامضة.. نسير فيها ببطء وحذر.. تطالبنا أن نتخذ قرارات مصيرية.. وبعض القرارات يتعثر تنفيذها.. تجعلنا نقف في منتصف الطريق..
يختلط فيها الصائب والخاطئ عندما تتسلط عليها الآراء الشخصية.. يتحكم بها المنطق والمنطق المضاد له.. يفرض عليها العقل سلطته الفكرية تارة أو يستعطف فيها القلب احتياجاته المشاعرية تارة أخرى..
تعدد الاتجاهات يجعلنا نقف في دائرة الحيرة.. وقد نتخذ القرار لتواجه نتائج صادمة لنكتشف فيها كم خدعنا العقل عندما افترض نتيجة لم تحسب معادلتها بالشكل الصحيح، ثم تنتج لنا معادلة جديدة تجبرنا أنا نبدأ فيها من الصفر.. ونعرف قيمة اللّاشيء قبل الشيء..
وتتشكل لنا قاعدة إجبارية للتوازن.. قاعدة صفرية عندما ننتبه لقيمتها في مسارات حياتنا تجعلنا ندرك ما يجب علينا التخلي عنه.. حتى نسير بسلام في الطرق الوعرة..
ليس سهلا أن تكون لدينا الشجاعة بالتخلي وليس بالإقدام.. أن نتخلى عن تجاربنا السابقة عن آراء المحيطين.. عن الأحكام التي يصدرها العقل ومنطقه الخادع، عن استدعاءات الماضي والمواقف المؤثرة فينا.. ونتحلى بالشجاعة بأن نجعل لقراراتنا منطلق من قاعدة صفرية بإرادتنا.. لنعيد الرؤية من زوايا جديدة..
قد تفرض علينا القاعدة الصفرية نفسها عندما يصيبنا الإحباط.. ذلك الشعور رغم ألمه إلا أنه صديق القمم.. كم من قمة انطلقت لأعلى مستوياتها من قاعدة صفرية برعاية الإحباط.. إنها كمرحلة تجريد إجباري لكل شي تم التعلق به بلا وعي.. يأتي لكي يجبر العقل بأن يغير مساره ويقول له لن تحصل على النتيجة التي تريد بذات الطريقة التي اعتدت عليها.. ويلفت النظر لخيارات أخرى لم نكن نراها.. لأن نخفض سقف التوقعات البشرية.. لينبهنا أن خلل التوازن أمر طبيعي عندما نركز على جانب دون الآخر.. ليختبر مدى صدقنا فيما نؤمن به .. وهل نحن على استعداد للوقوف مجدداً؟.. أم نسلم لعجزنا رفة الاستسلام؟.. يأتي الإحباط ليرينا الظلام ويطفئ منافذ النور التي علقنا في رؤيتها هي فقط ونعتقد أننا لا نرى سوى بها.. لنكشف أن هناك منافذ نور أخرى لم تستخدم بعد..
عندما نعي لهذه القاعدة الصفرية.. يساعدنا هذا الوعي أن نختار الانطلاق منها بإرادتنا وأن نتحلى بالشجاعة أن نتخلى عن ما نعرفه لنرى مالم نكن نعرفه..
القاعدة الصفرية هي النقطة التي نعود فيها إلى البداية، ونتجرد فيها عن كل ما هو مألوف، لنتمكن من رؤية خيارات أوسع من حدود وعينا المعتاد..