مقالات

اختلافُنا سرُّ إنسانيتِنا ومصدرُ تطوّرِنا

بقلم : حنان سالم باناصر

بقلم : حنان سالم باناصر

يُولد الإنسانُ في عالمٍ غنيٍّ بالتنوّع: في الطباع، والشخصيات، والعقول، والمعتقدات، وحتى في الأذواق والتصورات الجمالية. وقد تبدو هذه الفروقات في ظاهرها سببًا للنفور أو الصدام، لكنها في حقيقتها حكمةٌ إلهية، ومنبعٌ للتكامل والتقدّم الإنساني.

اختلافٌ يُثري لا يُفرّق

الاختلاف بين البشر ليس خللًا نُصلحه، ولا تهديدًا نتجنبه، بل هو جزءٌ أصيل من سُننِ الحياة. قال تعالى:

“ولو شاء ربك لجعل الناس أمةً واحدةً ولا يزالون مختلفين” (هود: 118).

إنّ تنوّع الشخصيات والأنماط الفكرية هو ما يُضفي عمقًا على العلاقات الإنسانية. فلو كان البشر نسخًا متطابقة، لفقدت الحياة مرونتها وتوازنها. ومن هنا، يصبح التعايش مع الآخر المختلف مهارةً محورية تُمارَس وتُطوَّر، لا مجرد خيار.

حين يكون الاختلافُ ضرورة

سواءٌ في الزواج، أو العمل، أو العلاقات الاجتماعية، يظلّ التنوع عنصرًا أساسيًّا في بناء علاقات ناضجة ومثمرة. لا أحد يشبه الآخر تمامًا، وهذا ليس عيبًا، بل فرصةٌ للتكامل.

في الزواج، يثري اختلاف الخلفيات والطباع العلاقة، ويقدّم لكل طرف فرصةً لرؤية الحياة من زاويةٍ مغايرة. ما يحتاجه الشريكان هو الحوار الواعي، والاحترام المتبادل، لبناء هويةٍ مشتركةٍ متوازنة، لا تقوم على التشابه التام، بل على الفهم العميق.

في العمل، تنجح الفرق التي تجمع بين عقولٍ متنوعة، لأنها تتعامل مع التحديات من زوايا متعددة، وتنتج حلولًا أكثر ابتكارًا. وجود بيئةٍ تُشجّع على التعبير، وتُقدّر الآراء المختلفة، يُعزّز الإبداع ويقوّي الفريق.

في الصداقة، يفتح الاختلاف آفاقًا جديدة للتجربة الإنسانية. حين نُصغي لصديق لا يُشبهنا، نتعلّم أن نحترم الإنسان لكونه مختلفًا، لا فقط لأنه يتفق معنا.

تحويل الاختلاف إلى مساحة للتطوّر

واحترام هذا التنوّع لا يعني الاتفاق، بل يعني الاعتراف بحقّ الآخر في أن يكون مختلفًا، والنظر إلى هذا التباين كفرصةٍ للنمو لا تهديدًا.

ولتحويل هذا الوعي إلى ممارسة يومية، نحتاج إلى خطوات عملية تكرّس ثقافة التفاهم والتقدير:

• الوعي بالاختلافات الثقافية والفكرية: إدراك أن التباين لا يُقلل من أحد، بل يوسّع الأفق.

• الاستماع الفعّال: الإصغاء بنيّة الفهم، لا الردّ، مما يفتح أبواب الحوار الحقيقي.

• تشجيع التعبير: خلق بيئةٍ آمنةٍ في الأسرة والعمل، تتيح لكل شخصٍ أن يُعبّر بحرّية.

• الاحتفاء بالتنوّع: تسليط الضوء على ما يُضيفه كلُّ فرد، لا على ما ينقصه مقارنةً بالآخرين.

ختامًا…

الاختلاف بيننا ليس عبثًا، بل نعمةٌ عظيمة من الخالق.

هو ما يجعلنا بشرًا نتعلّم، ونتكامل، ونتقدّم.

واستثماره لا يحتاج إلى شعارات، بل إلى وعيٍ وممارسةٍ وإرادة، لبناء مجتمعٍ أكثر نضجًا وتسامحًا.

 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى