وإن باعدتنا الأيام..قصة قصيرة.


وجنات صالح ولي.
ظلّ الشوق بيننا لا يموت…رغم المسافات… ورغم مرور الأعوام،ما زال هناك شيءٌ صغير يربط بينهما… شيء لا يُرى ولا يُقال، لكنه يُحسّ بصدقٍ مباغت في لحظةٍ خاطفة..لم يكن اللقاء مخططًا له..ولم يكن في مدينة اعتاداها، ولا في مقهى له ذاكرة.
كان لقاءً فجًّا، كأن القدر قرر أن يُعيد ترتيب فوضاه دون سابق إنذار..كانت تمشي بخطى ثابتة، تمسك كتابًا بيدها وكأنها تحتمي منه.
وكان يجلس وحده في الزاوية، يراقب العالم بعين رجلٍ هزمه الاشتياق أكثر من مرة لكنه لم يعترف.
رفعت عينيها بالصدفة…ورآها..لم يتكلما. لم يتصنّعا الدهشة.فقط… توقّف الزمن.
وحدث ذلك الرجف في القلب الذي يُقال عنه في القصص:
“النار التي لا تنطفئ، حتى وإن دفنوها تحت رماد المسافة.”
اقتربت منه ببطء، جلست أمامه كما لو أن كل شيء لم يكن..وقالت دون مقدمات: “لم أتوقع أن نلتقي يومًا، بعد كل هذا الغياب…”
أجابها بصوت لم يكن يشبهه قبلًا، فيه حنينٌ هشّ ونضجٌ مُتعب:
– “أنا أيضًا… لكن قلبي ما زال يتذكرك كما كنتِ.”ابتسمت وكأنها تسمح لقلبها بأن ينهار قليلًا.
كانت تحاول التماسك، لكنه رأى ذلك الشوق في عينها، نفس الشوق الذي حمله في قلبه لسنوات طويلة.
سألها فجأة، بنبرة مزاحٍ يُخفي ارتباكه: “أما زلتِ تكرهين القهوة من دون سكر؟”
ضحكت، وهزّت رأسها: “وأنت، أما زلت تتذكر أشياء صغيرة لا يتذكرها أحد؟”
كانت اللحظة أكبر من الكلام، أوسع من التحليل…
إنه الاشتياق حين يبقى في مكانه رغم رحيل كل شيء.لم يكن اللقاء لقاءً عادياً…
بل كان عودةً مؤقتة إلى حضن الذكرى، دون توقيعٍ بالعودة أو رغبةٍ بالبقاء. كانت مجرد لحظة… لكنها حملت كل ما لم يُقَل.
همسة قلم …
هناك علاقات لا تموت،
بل تتحول إلى ومضات…
تتوهج كلما عبرت روحنا بمكان التقينا فيه، أو سمعنا فيه ضحكتهم من خلف الزمان.
فبعض الأرواح… وإن باعدتنا عنها الحياة، تبقى تسكننا في الزوايا الناعسة من القلب.
نشتاق… بصمت. نحب… دون أن نُعلن.
ونُدرك أن بيننا رباطًا لا يقطعه البعد ولا يبدّده الغياب.
فقط… يتوارى في الظل، لكنه لا يرحل أبدًا.