حقوق الزوجين


حسن بن محمد بن منصور مخزم الدغريري
بسم الله الرحمن الرحيم
سبب فشل كثيرٍ من الزواجات في عصرنا الحاضر هو الجهل بحقوق الزوجين ؛ وعدم العمل بها بعد معرفتها ؛ فللزوج على زوجته حقوقاً يجب عليها الوفاء بها له ؛ وللزوجة على زوجها حقوقاً يجب عليه الوفاء بها لها ؛ وبينهما حقوقٌ مشتركة يجب على كلٍّ منهما الوفاء بها للآخر ؛ لتستمر الحياة الزوجية أحسن استمرار ؛ ولتحيا الأسر المسلمة أحسن حياةٍ ، ولتسعد سعادةً ما بعدها سعادةً في الآخرة والأولى ؛ وإليكم هذه الحقوق بشيء من الإيجاز والاختصار :-
أ ) الحقوق المشتركة بين الزوجين :
١- المعاشرة بين الزوجين بالمعروف : والمعاشرة هي المخالطة بين الزوجين بحسن الخلق ؛ من الاحترام المتبادل ، والتلطف في الخطاب ، والممازحة والمداعبة الطيبة ، والتجاوز عن الزلات والهفوات ؛ وألا يؤذي أحدهما الآخر في نفسه أو أهله أو من يحب .
٢- الاستمتاع لكل من الزوجين بالآخر بالوطء في الموضع الذي أحله الله ؛ وما يتبع ذلك من التجمل ، والتطيب ، وإزالة الروائح الكريهة ، والملابس المتسخة ، ونحو ذلك ؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إلى فِرَاشِهِ فأبَتْ ؛ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا ؛ لَعَنَتْهَا المَلَائِكَةُ حتَّى تُصْبِحَ ) رواه البخاري ومسلم ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : ” إنِّي لأحبُّ أن أتزيَّن لامرأتي كما تحب أن تتزين لي ” .
٣- المحافظة على الأسرار الزوجية بين الزوجين : وبالأخص ما يحصل بينهما من استمتاعٍ ونحوه ؛ قال صلى الله عليه وسلم : ( إنَّ مِن أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةً يَومَ القِيَامَةِ ، الرَّجُلَ يُفْضِي إلى امْرَأَتِهِ ، وَتُفْضِي إِلَيْهِ ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا ) رواه مسلمٌ في صحيحه .
٤- المناصحة فيما بينهما : بالتواصي بالحق ، والصبر عليه ، والتعاون على طاعة الله كصلة الأرحام ، وتربية الأولاد التربية الصالحة .
ب ) حقوق الزوج على زوجته :
١- طاعة الزوجة لزوجها بالمعروف ؛ وفيما تستطيعه ؛ وألا يترتب على طاعتها له ضرر ؛ قال صلى الله عليه وسلم : ( إذا صلَّتِ المرأةُ خَمْسَها ، و صامَت شهرَها ، وحصَّنَتْ فرجَها ، وأطاعَت زوجَها ، قيلَ لها : ادخُلي الجنَّةَ مِن أيِّ أبوابِ الجنَّةِ شِئتِ ) رواه ابن حبان في صحيحه ؛ وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم ٦٦٠ وقال صلى الله عليه وسلم : ( لَو كنتُ آمرًا أحدًا أن يسجدَ لأحدٍ لأمرتُ النِّساءَ أن يسجُدنَ لأزواجِهِنَّ لما جعلَ اللَّهُ لَهُم علَيهنَّ منَ الحقِّ ) رواه أبو داود في سننه ؛ وصححه الألباني في صحيح أبي داود برقم ٢١٤٠ .
٢- قرار الزوجة في بيت زوجها ، وألا تخرج منه إلا لحاجة ؛ وأن يكون خروجها بإذن زوجها ؛ قال الله تعالى مخاطباً زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ، وبقية المسلمات تبعٌ لهنَّ في ذلك : ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ ) ( الأحزاب : ٣٣ ) ولاينبغي للزوج أن يمنع زوجته مما لها فيه مصلحةٌ ، ولا يترتب على خروجها من بيتها مفسدة ؛ وأن تخرج متحجبة محتشمة ؛ غير متبرجةٍ ، ولا مبديةً شيئاً من زينتها .
٣- أن ترعى حقَّ بيتها ، وأولادها ، وأن تحافظ على مال زوجها ، ولا تكلفه ما لايطيق ؛ قال صلى الله عليه وسلم : ( والمَرْأَةُ في بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ ؛ وهي مَسْؤُولَةٌ عن رَعِيَّتِهَا ) رواه البخاري ومسلم .
٤- ألا تأذن بدخول بيت زوجها لأي شخصٍ لا يريده ، ولا يحبُّه ؛ ولو كان قريباً لها ؛ قال صلى الله عليه وسلم : ( وإنَّ لكم عليهنَّ ألَّا يُوطِئْنَ فُرُشَكم أحًدا تكرهونَه) رواه أبو داود في سننه ؛ وصححه الإمام ابن جرير في تفسيره ( 3/2/392 ) وفي الصحيحين : ( ولا تَأْذَنَ في بَيْتِهِ إلَّا بإذْنِهِ ) .
٥- عدم قيامها بصيام التطوع إلا بإذن زوجها ؛ قال صلى الله عليه وسلم : ( لَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أنْ تَصُومَ وزَوْجُها شاهِدٌ إلَّا بإذْنِهِ ) رواه البخاري ومسلم .
ج ) حقوق الزوجة على زوجها :
١- المهر وهو واجبٌ للزوجة ، وحقُّ لها ، وليس لغيرها : قال الله تعالى : ( وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ۚ فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا ) ( النساء : ٤ ) .
٢- النفقة : فواجب على الزوج أن ينفق على زوجته بالمعروف ؛ وهذا يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة ، وحال الزوجين فقراً وغنىً ؛ قال الله تعالى : ( لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ ۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ ۚ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ۚ ) ( الطلاق : ٧ ) .
٣- الشفقة عليها ، والرحمة بها ، وعدم ظلمها ، والصبر عليها : قال صلى الله عليه وسلم : ( واسْتَوْصُوا بالنِّساءِ خَيْرًا ؛ فإنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِن ضِلَعٍ ، وإنَّ أعْوَجَ شَيءٍ في الضِّلَعِ أعْلاهُ ، فإنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ ، وإنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أعْوَجَ ، فاسْتَوْصُوا بالنِّساءِ خَيْرًاً ) رواه البخاري ومسلم ؛ وقال صلى الله عليه وسلم : ( لَا يَفْرَكْ – لا يبغض – مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً ، إنْ كَرِهَ منها خُلُقًا رَضِيَ منها آخَرَ ) رواه مسلم في صحيحه .
٤- الغيرة عليها ، وصيانتها ، وتحقيق القِوامة عليها : قال الله تعالى : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ) ( النساء : ٣٤ ) وقالَ سَعْدُ بنُ عُبَادَةَ رضي الله عنه : ( لو رَأَيْتُ رَجُلًا مع امْرَأَتي لَضَرَبْتُهُ بالسَّيْفِ غيرَ مُصْفَحٍ ؛ فَبَلَغَ ذلكَ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ : أتَعْجَبُونَ مِن غَيْرَةِ سَعْدٍ ، واللَّهِ لَأَنَا أغْيَرُ منه ، واللَّهُ أغْيَرُ مِنِّي ، ومِنْ أجْلِ غَيْرَةِ اللَّهِ حَرَّمَ الفَوَاحِشَ ما ظَهَرَ منها وما بَطَنْ ) رواه البخاري في صحيحه .
فهذه جملة من الحقوق لكل من الزوجين للآخر ؛ والتي لو قمنا بها حقَّ القيام ؛ لسلمت بيوتنا من المشاكل الزوجية ؛ ولعاشت في ظل العمل بهذه الحقوق عيشةً هنيةً ، وحياةً كريمةً رضيةً ؛ ولكن لمَّا حصل القصور في القيام بها ؛ حصل الطلاق ، والفسخ ، والفراق بين الأزواج وزوجاتهم ؛ والله نسأل صلاح قلوبنا ؛ وأحوالنا كلًَّها ، وأن يصلح الأزواج والزوجات ؛ والأبناء والبنات ؛ وجميع الأهل والقرابات ؛ وأن يعفو عن تقصيرنا وزلاتنا جميعا ؛ إنَّه جوادٌ كريمٌ برٌّ رؤوفٌ رحيمٌ . اللهم آمين .