مقالات

الاستغفار

  حسن بن محمد منصور مخزم الدغريري

  حسن بن محمد منصور مخزم الدغريري

بسم الله الرحمن الرحيم

   الاستغفار معناه ستر الذنب وتغطيته ، وعدم المؤاخذة عليه من الله تبارك وتعالى .

معشر القراء : لقد أمر الله بالاستغفار في كتابه العزيز ، وعلى لسان رسولنا صلى الله عليه وسلم الأمين ؛ قال الله تعالى : ( وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ۚ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ ) ( هود : ٩٠ ) وقال تعالى : ( وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ) ( النساء : ١٠٦ ) وقال تعالى : ( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ ) ( محمد : ١٩ ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( واللَّهِ إنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وأَتُوبُ إلَيْهِ في اليَومِ أكْثَرَ مِن سَبْعِينَ مَرَّةً ) رواه البخاري في صحيحه ؛ وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال : ( إن كنَّا لنعدُّ لرسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ في المَجلِسِ الواحدِ مائةَ مرَّةٍ : ربِّ اغفر لي ، وتُب عليَّ ، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحيمُ ) رواه أبو داود في سننه ، وصححه الألباني في صحيح أبي داود برقم ١٥١٦ .

معشر القراء : كم هي الفضائل المتعددة الدالة على فضل التوبة والاستغفار ؛ منها ما جاء في قول الله تعالى : ( وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا ) ( النساء : ١١٠ ) وقال تعالى : ( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) ( آل عمران : ١٣٥ ) وقال تعالى: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا )  نوح : ١٠ – ١٢ ) وقال تعالى : ( وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ ) ( هود : ٥٢ ) وفي الحديث القدسي : ( قالَ اللَّهُ تبارَكَ وتعالى : يا ابنَ آدمَ إنَّكَ ما دعوتَني ، ورجوتَني ؛ غفَرتُ لَكَ على ما كانَ فيكَ ولا أبالي ، يا ابنَ آدمَ لو بلغت ذنوبُكَ عَنانَ السَّماءِ ، ثمَّ استغفرتَني غفرتُ لَكَ ولا أبالي ، يا ابنَ آدمَ إنَّكَ لو أتيتَني بقرابِ الأرضِ خطايا ، ثمَّ لقيتَني لا تشرِكُ بي شيئًا لأتيتُكَ بقرابِها مغفرةً ) رواه الترمذي في سننه ؛ وصححه الألباني في صحيح الترمذي برقم ٣٥٤٠ وقال صلى الله عليه وسلم : ( إنَّ العبدَ إذا أخطأَ خطيئةً نُكِتت في قلبِهِ نُكْتةٌ سوداءُ ، فإذا هوَ نزعَ واستَغفرَ وتابَ سُقِلَ قلبُهُ ، وإن عادَ زيدَ فيها حتَّى تعلوَ قلبَهُ، وَهوَ الرَّانُ الَّذي ذَكَرَ اللَّه ” كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ” ) رواه الترمذي في سننه ؛ وحسنه الألباني في صحيح الترمذي برقم ٣٣٣٤ وقال صلى الله عليه وسلم : ( من أكثر من الاستغفار جعل الله له من كل همٍّ فرجاً ، ومن كل ضيقٍ مخرجاً ، ورزقه من حيث لا يحتسب ) رواه الإمام أحمد ، وصححه أحمد شاكر رحمه الله .

معشر القراء : يقول الامام ابن تيمية رحمه الله : ” إنه ليقف خاطري في المسألة أو الحالة التي تشكل علي ، فأستغفر الله تعالى ألف مرة أو أكثر أو أقل حتى ينشرح الصدر ، وينحل إشكال ما أشكل ” وقال أيضاً رحمه الله : ” الاستغفار يخرج العبد من الفعل المكروه إلى الفعل المحبوب ، ومن العمل الناقص إلى العمل التام ، ويرفع العبد من المقام الأدنى إلى الأعلى منه والأكمل ، فإنَّ العبد في كل يومٍ ، بل في كل ساعةٍ ، بل في كل لحظةٍ يزداد علمًا بالله ، وبصيرةً في دينه وعبوديته ؛ بحيث يجد ذلك في طعامه ، وشـرابه ، ونومه ، ويقظته ، وقوله ، وفعله ، ويرى تقصيره في حضور قلبه في المقامات العالية ، وإعطائها حقَّها ، فهو يحتاج إلى الاستغفار آناء الليل ، وأطراف النهار ؛ بل هو مضطرٌّ إليه دائمًا في الأقوال والأحوال ، في الغوائب والمشاهد ؛ لما فيه من المصالح ، وجلب الخيرات ، ودفع المضرَّات ، وطلب زيادة القوة في الأعمال القلبية والبدنية ” انتهى كلامه رحمه الله .

وأخيراً : لنكن صادقين في استغفارنا لربنا ، وتوبتنا من ذنوبنا ؛ وتقصيرنا في طاعة مولانا تبارك وتعالى ؛ أما مجرد الاستغفار بألسنتنا ؛ مع استمرارنا في معصية ربنا ؛ فهذه لاينفع معها استغفارٌ ؛ إلاَّ أن نتبعها بحسن القول والعمل ؛ ونترك بعده سيئ القول والعمل ؛ حتى نكون صادقين في توبتنا ، وأوبتنا إلى ربنا ؛ نسأل الله أن يغفر لنا جميعاً ما قدمنا وما أخَّرنا ؛ وما أسررنا وما أعلنا ؛ وما هو أعلم به منُّا ؛ هو المقدِّم والمؤخِّر ؛ وهو على كلِّ شيٍ قدير ؛ ربنا ظلمنا أنفسنا ، وإن لم تغفر لنا ، وترحمنا ، لنكونن من الخاسرين . اللهم آمين .

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى