مقالات

الأمن في الأوطان 

حسن بن محمد منصور مخزم الدغريري

حسن بن محمد منصور مخزم الدغريري

بسم الله الرحمن الرحيم 

الأمن في البلدان على الدماء ، والأموال ، والأعراض من أعظم النعم على البشرية جمعاء ؛ وفي ظل الأمن يقوم الناس بشؤون حياتهم الدينية والدنيوية أتم قيام ؛ وبالأمن تزدهر البلدان ؛ وتكثر الخيرات في الأوطان ؛ وبالأمن تطمئن النفوس ؛ وتسكن الأرواح ، وترتاح الأبدان ؛ فالخير كل الخير فيه ؛ والشر كلَّ الشر في ذهابه وضياعه ؛ ولذا قال الله تعالى في كتابه الكريم : ( لِإِيلَٰفِ قُرَيۡشٍ * إِۦلَٰفِهِمۡ رِحۡلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيۡفِ * فَلۡيَعۡبُدُواْ رَبَّ هَٰذَا ٱلۡبَيۡتِ * ٱلَّذِيٓ أَطۡعَمَهُم مِّن جُوعٖ وَءَامَنَهُم مِّنۡ خَوۡفِۭ ) ( قريش : ١ – ٤ ) وقال تعالى : ( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ ۚ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ ) ( العنكبوت : ٦٧ ) وقال تعالى : ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ النَّارِ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) ( البقرة : ١٢٥ ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( مَن أصبحَ منكم آمنًا في سربِهِ ) قيل نفسه ، وقيل أهله ، وقيل مجتمعه ( مُعافًى في جسدِهِ عندَهُ قوتُ يومِهِ ، فَكَأنَّما حيزت لَهُ الدُّنيا ) رواه الترمذي في سننه ؛ وصححه الألباني في صحيح الترمذي برقم ٢٣٤٦ وقال صلى الله عليه وسلم : ( واللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هذا الأمْرَ حتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِن صَنْعَاءَ إلى حَضْرَمَوْتَ لا يَخَافُ إلَّا اللَّهَ أَوِ الذِّئْبَ علَى غَنَمِهِ ، ولَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ ) رواه البخاري في صحيحه .

معشر القراء : من أعظم أسباب الأمن ودوامه ؛ واستقراره في البلدان الحرص على توحيد الله تبارك وتعالى ؛ وطاعته ؛ وحمايته من الشرك بالله ، وسائر معاصيه ؛ قال الله تعالى : ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) ( النور : ٥٥ ) وقال تعالى : ( وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا * وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ ۗ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا ) ( الإسراء : ١٥ – ١٦ ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( يا مَعْشَرَ المهاجرينَ ! خِصالٌ خَمْسٌ إذا ابتُلِيتُمْ بهِنَّ ، وأعوذُ باللهِ أن تُدْرِكُوهُنَّ : لم تَظْهَرِ الفاحشةُ في قومٍ قَطُّ ؛ حتى يُعْلِنُوا بها ؛ إلا فَشَا فيهِمُ الطاعونُ والأوجاعُ التي لم تَكُنْ مَضَتْ في أسلافِهِم الذين مَضَوْا ، ولم يَنْقُصُوا المِكْيالَ والميزانَ إِلَّا أُخِذُوا بالسِّنِينَ وشِدَّةِ المُؤْنَةِ ، وجَوْرِ السلطانِ عليهم ، ولم يَمْنَعُوا زكاةَ أموالِهم إلا مُنِعُوا القَطْرَ من السماءِ ، ولولا البهائمُ لم يُمْطَرُوا ، ولم يَنْقُضُوا عهدَ اللهِ وعهدَ رسولِه إلا سَلَّطَ اللهُ عليهم عَدُوَّهم من غيرِهم ، فأَخَذوا بعضَ ما كان في أَيْدِيهِم ، وما لم تَحْكُمْ أئمتُهم بكتابِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ ويَتَخَيَّرُوا ممَّا أَنْزَلَ اللهُ إلا جعل اللهُ بأسَهم بينَهم ) رواه ابن ماجه في سننه ؛ وصحح الحديث الألباني في صحيح الجامع برقم ٧٩٧٨ .

ومن المعاصي التي يجب الحذر منها غاية الحذر معصية الخروج على ولاة الأمر المسلمين ؛ وشقِّ عصا الطاعة عنهم ؛ وفي الصحيحين من حديث أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه : ( بَعَثَ عَلِيٌّ رَضيَ اللهُ عنه إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بذُهَيْبَةٍ ، فَقَسَمَهَا بيْنَ الأرْبَعَةِ : الأقْرَعِ بنِ حَابِسٍ الحَنْظَلِيِّ ثُمَّ المُجَاشِعِيِّ ، وعُيَيْنَةَ بنِ بَدْرٍ الفَزَارِيِّ ، وزَيْدٍ الطَّائِيِّ ثُمَّ أَحَدِ بَنِي نَبْهَانَ ، وعَلْقَمَةَ بنِ عُلَاثَةَ العَامِرِيِّ ثُمَّ أَحَدِ بَنِي كِلَابٍ ؛ فَغَضِبَتْ قُرَيْشٌ والأنْصَارُ ، قالوا : يُعْطِي صَنَادِيدَ أَهْلِ نَجْدٍ ويَدَعُنَا ! قالَ : إنَّما أَتَأَلَّفُهُمْ ، فأقْبَلَ رَجُلٌ – وهو ذو الخويصرة حرقوص بن زهير التميمي – غَائِرُ العَيْنَيْنِ ؛ مُشْرِفُ الوَجْنَتَيْنِ ؛ نَاتِئُ الجَبِينِ ؛ كَثُّ اللِّحْيَةِ ، مَحْلُوقٌ ، فَقالَ : اتَّقِ اللَّهَ يا مُحَمَّدُ ؛ فَقالَ : مَن يُطِعِ اللَّهَ إذَا عَصَيْتُ ؟! أَيَأْمَنُنِي اللَّهُ علَى أَهْلِ الأرْضِ ؛ فلا تَأْمَنُونِي ! فَسَأَلَهُ رَجُلٌ قَتْلَهُ – أَحْسِبُهُ خَالِدَ بنَ الوَلِيدِ- فَمَنَعَهُ – أي النبي صلى الله عليه وسلم – فَلَمَّا ولَّى قالَ : إنَّ مِن ضِئْضِئِ هذا – أَوْ في عَقِبِ هذا – قَوْمًا يَقْرَؤُونَ القُرْآنَ لا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإسْلَامِ ، ويَدَعُونَ أَهْلَ الأوْثَانِ ، لَئِنْ أَنَا أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ ) .

معشر القراء : لنحذر جميعاً من الشرك بالله تعالى في ربوبيته ، وألوهيته ، وأسمائه وصفاته ؛ ومن البدع عموماً ومنها بدعة الخروج على ولاة الأمور المسلمين في بلدانهم ؛ ومن سائر الذنوب والمعاصي ؛ ولنتعاون جميعاً مع ولاة أمورنا والمسؤولين في بلداننا ؛ لما فيه صلاح العباد والبلاد ؛ ولحمايتها من كل معتدٍ خوَّان يسعى فيها بالشر والفساد ؛ ليدوم لنا أمننا ؛ والخيرات في بلداننا ؛ وفقنا الله جميعاً لمرضاته ؛ وجنبنا معصيته وأسباب مقته وعذابه ؛ وأدام علينا نعمه الظاهرة والباطنة ؛ وحفظ الجميع رعاةً ورعيةً من كل شرٍّ ومكروه ؛ اللهم آمين .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى