علامات حسن الخاتمة


حسن بن محمد منصور مخزم الدغريري
بسم الله الرحمن الرحيم
معشر القراء : ما أحسن أنَّ يكتب الله للعبد حسن الخاتمة في هذه الدنيا الفانية ؛ ليحيا بإذن الله حياةً سعيدةً دائمةً في الآخرة الباقية ؛ ولذا كان من دعائه صلى الله عليه وسلم : ( اللَّهمَّ أحسِن عاقبتَنا في الأمورِ كُلِّها ، وأجِرنا مِنَ خزيِ الدُّنيا ، وعذابِ الآخرةِ ) رواه أحمد في مسنده ؛ وصححه أحمد شاكر في عمدة التفسير ( 1/162 ) وقد ذكر أهل العلم علاماتٍ على حسن الخاتمة ؛ ومن ذلك ما يلي :
١– أن يوفق الله العبد لعملٍ صالحٍ قبل وفاته ؛ ولذا جاء في الحديث : ( إذا أرادَ اللهُ بعبدٍ خيرًا استعملَه ، فقيل : كيف يستعملُه يا رسولَ اللهِ ؟ قال : يوفِّقُه لعمَلٍ صالحٍ قبلَ الموتِ ) رواه الترمذي في سننه ؛ وصححه الألباني في صحيح الترمذي برقم ٢١٤٢ وقال صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، حَتَّى مَا يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلاَّ ذِرَاعٌ ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا ، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ ، حَتَّى مَا يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلاَّ ذِرَاعٌ ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا ) رواه مسلمٌ في صحيحه .
٢– ومن علامات حسن الخاتمة : كثرة ذكر الله تبارك وتعالى ؛ والتوبة ، والاستغفار ؛ وقد قال تعالى : ( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ) ( البقرة : ١٥٢ ) وقال تعالى : ( وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ ) ( هود : ٣ ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجًا ، ومن كل ضيق مخرجًا ، ورزقه من حيث لا يحتسب ) رواه أبو داود في سننه ؛ وصححه الإمام ابن باز رحمه الله .
٣– الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في أقواله ، وأعماله ، وأخلاقه صلوات الله وسلامه عليه ؛ وقد قال الله تعالى : ( لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ) ( الأحزاب : ٢١ ) .
٤– أن يموت الإنسان على عقيدةٍ صحيحةٍ ، ومنهجٍ سليم يرضاه الله عن العبد ؛ قال صلى الله عليه وسلم : ( مَن رَضِيَ باللَّهِ رَبًّا ، وبالإسْلامِ دِينًا ، وبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا ؛ وجَبَتْ له الجَنَّةُ ) رواه مسلمٌ في صحيحه .
٥– النطق بلا إله إلا الله عند الموت ؛ قال صلى الله عليه وسلم : ( من كانَ آخرُ كلامِهِ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَخلَ الجنَّةَ ) رواه أبو داود في سننه ؛ وصححه الألباني في صحيح أبي داود برقم ٣١١٦ وفي الحديث : ( رأى عمرُ طلحةَ بنَ عُبَيْدِ اللَّهِ ثقيلًا فقالَ : ما لَكَ يا أبا فلانٍ لعلَّكَ ساءتْكَ إمرةُ ابنِ عمِّكَ يا أبا فلانٍ قالَ : لا إلَّا أنِّي سَمِعْتُ من رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ حديثًا ما منعَني أن أسألَهُ عنهُ إلَّا القدرةُ عليهِ حتَّى ماتَ سَمِعْتُهُ يقولُ: “إنِّي لأعلمُ كلمةً لا يقولُها عبدٌ عندَ مَوتِهِ إلَّا أشرقَ لَها لَونُهُ ، ونفَّسَ اللَّهُ عنهُ كُربتَهُ”. قالَ فقالَ عمرُ رضيَ اللَّهُ عنهُ: إنِّي لأعلمُ ما هيَ ؛ قالَ : وما هيَ ؟ قالَ تعلمُ كلمةً أعظمَ من كلمةٍ أمرَ بِها عمَّهُ عندَ المَوتِ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ؛ قالَ طلحةُ : صدقتَ هيَ واللَّهِ هيَ ) رواه النسائي في سننه ؛ وصحح إسناده أحمد شاكر في تخريج المسند ( ٣٦٠ / ٢ ) .
٦– من علامات حسن الخاتمة : الموت بعرق الجبين ؛ قال صلى الله عليه وسلم : ( مَوْتُ الْمُؤْمِنِ بِعَرَقِ الْجَبِينِ ) قال عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رضي اللهُ عنه ، قال : “موتُ المؤمنِ عرَقُ الجَبينِ إنَّ المؤمنَ تَبقى خَطايا مِن خَطاياه يُجازى بها عندَ الموتِ ؛ فيعرقُ مِن ذلك جبينُه ” .
٧– ومن علامات حسن الخاتمة : الاستشهاد في ساحة القتال ؛ مخلصاً المجاهد في قتاله لله وحده لا شريك له ؛ قال الله تعالى : ( َلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ } ( آل عمران : ١٦٩ – ١٧١ ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ سِتُّ خِصَالٍ : يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ من دمه ، وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ ، وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ، وَيَأْمَنُ مِنَ الْفَزَعِ الأَكْبَرِ ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ الْيَاقُوتَةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ، وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنَ الْحُورِ الْعِينِ ، وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ ) رواه الترمذي في سننه ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم ٥١٨٢ .
٨– من علامات حسن الخاتمة أن يموت المؤمن بالطاعون أو بالغرق أو بالهدم أو بغيرها من المصائب المهلكات ؛ قال صلى الله عليه وسلم : ( الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ : الْمَطْعُونُ ، وَالْمَبْطُونُ ، وَالْغَرِقُ ، وَصَاحِبُ الْهَدْمِ ، وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) متفق عليه ؛ وفي الحديث أن جابر بن عتيك رضي الله عنه : ( مَرِضَ فأتاهُ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يَعودُه ؛ فقالَ قائلٌ من أهلِه : إن كنَّا لنَرجو أن تَكونَ وفاتُهُ قَتلَ شَهادةٍ في سبيلِ اللَّهِ ؛ فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ : إنَّ شُهداءَ أمَّتي إذًا لَقَليلٌ ؛ القَتلُ في سبيلِ اللَّهِ شَهادَةٌ ، والمطعونُ شَهادةٌ ، والمرأةُ تموتُ بِجُمْعٍ شَهادَةٌ – يعني الحامِلَ – والغَرِقُ ، والحَرِقُ والمَجنوبُ – يعني ذاتَ الجنبِ – شَهادةٌ ) رواه ابن ماجه في سننه ؛ وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه برقم ٢٢٧٩ ؛ وقال صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ ) رواه الترمذي في سننه ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم ٦٤٤٥ .
٩– ومن علامات حسن الخاتمة : الموت ليلة الجمعة أو نهارها ؛ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ ؛ إِلاَّ وَقَاهُ اللَّهُ فِتْنَةَ الْقَبْرِ ) رواه الترمذي في سننه ؛ وحسن الحديث الألباني في هداية الرواة برقم ١٣١٦ .
وأخيراً يا معشر القراء ؛ علينا أن ندعو الله أن يحسن خواتيمنا في الأمور كلها ؛ فالله قريبٌ من عباده ؛ لا يخيب من دعاه ؛ ولا يردُّ من رجاه ؛ قال صلى الله عليه وسلم : ( إنَّ ربَّكم حييٌّ كريمٌ يستحيي من عبدِه أن يرفعَ إليه يدَيْه ؛ فيرُدَّهما صِفرًا ) أو قال ( خائبتَيْن ) رواه ابن ماجه ؛ وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه برقم ٣١٣١ نسأل الله أن يختم لنا ولكم بخاتمة السعادة ، وأن يتوفانا وهو راضٍ عنَّا غير غضبان . اللهم آمين .