الابتسامة صدقة


حسن بن محمد منصور مخزم الدغريري
بسم الله الرحمن الرحيم
معشر القراء : مع كثرة مشاغل الناس واهتمامهم بالدنيا ؛ ولكثرة ما يتعرضون له من مواقف مزعجة ؛ تكون ردة فعل كثيرٍ منهم الغضب والعبوس ، واللذان يورثان الأمراض النفسية والقلبية في آنٍ معاً ؛ وتزرعان البغض والكراهية أحياناً ؛ في ظل هذه المواقف وردات الفعل يتناسى أهل الإسلام ما حث عليه الشارع الحكيم صلوات الله وسلامه عليه من مقابلة الإساءة بالإحسان ؛ والعبوس والغضب ؛ بالابتسامة ولين الجانب اللذين يورثان الراحة والطمأنينة للنفس البشرية ؛ وتزرع الابتسامة في وجوه الآخرين صفاء القلوب ؛ والمحبة في الصدور ؛ وقبول الرأي والرأي الآخر ؛ ولذا كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم غالباً التبسم والسرور في وجوه أهله وأصحابه ؛ فقد جاء في حديث أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال : ( تبسَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ ثم قال : عجبتُ للمؤمن ؛ إنَّ الله لا يقضي له قضاءً إلا كان خيرًا له ) رواه أبو يعلى في مسنده ؛ وصحح الحديث شعيب الأرناؤوط في تخريج سير أعلام النبلاء ( 15/ 342- 343 ) وقال أيضاً رضي الله عنه : ( حتى إذا كان يوم الاثنين – وهو اليوم الذي توفِّي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم – وهم صُفوف في الصلاة ، كشَف رسول الله صلى الله عليه وسلم سَتر الحجرة ، فنظر إلينا ؛ وهو قائم كأن وجهَه ورقة مُصحف ؛ ثم تبسَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم ) رواه مسلم في صحيحه ؛ وكذلك ما قاله جرير بن عبد الله رضي الله عنه : ( ما حجبَني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمتُ ، ولا رآني إلا تبسَّم في وجهي ) رواه البخاري في صحيحه .
وكما كان صلى الله عليه وسلم قدوةً صالحة في فعله للتبسم لأصحابه ، كذلك حثَّ أمته عليه بقوله صلى الله عليه وسلم إحياءً لهذه الشعيرة ؛ وهذه الصفة الحميدة في نفس كلِّ مؤمن ؛ فقال صلى الله عليه وسلم : ( تبسُّمك في وجْه أخيك صدَقة ) رواه الترمذي في سننه ؛ وصححه الألباني في صحيح الترمذي برقم ١٩٥٦وقال صلى الله عليه وسلم : ( لا تَحْقِرَنَّ مِنَ المَعروفِ شيئًا، ولو أنْ تَلْقَى أخاكَ بوَجْهٍ طَلْقٍ ) رواه مسلمٌ في صحيحه ؛ قال الشاعر :
بتبسُّمي أطفأتُ ألف ضَغينة
وزرعْتُ في قلب العَليل وِدادا
مُتجهِّم القسَمات كم لاطفتُه!
لأسلَّ مِن أضلاعه الأحْقادا
وأخيراً معشر القراء : أنبّه على أمرين مهمين :
١- أنَّ بعض إخواننا هداهم الله يتبسمون في وجوه أصحابهم وأصدقائهم ؛ ويعبسون ويغضبون في وجوه أهليهم من الآباء والأمهات ، والإخوة والأخوات ، والزوجة والأقرباء والأبناء والبنات بدون وجه حق ، وهذا تصرفٌ خاطئٌ ، وعملٌ مشين ؛ فالابتسامة في وجوه أهلك وقرابتك أعظم أجراً ، وأكثر ثواباً من الابتسامة لغيرهم ؛ لأنها لهم صدقةٌ ؛ وصلةٌ يبقى لك ذخرها عند الله تبارك وتعالى ؛ وكم تجر من خيرٍ ، وصلاحٍ لهم .
٢- يشرع الغضب من أجل الله إذا انتهكت محارمه ؛ وقد قالت أمُّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها : ( ما ضَرَبَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ شيئًا قَطُّ بيَدِهِ ، وَلَا امْرَأَةً ، وَلَا خَادِمًا ؛ إلَّا أَنْ يُجَاهِدَ في سَبيلِ اللهِ ، وَما نِيلَ منه شَيءٌ قَطُّ ؛ فَيَنْتَقِمَ مِن صَاحِبِهِ ؛ إلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيءٌ مِن مَحَارِمِ اللهِ ؛ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ) رواه مسلمٌ في صحيحه ؛ نسأل الله أن يرحمنا برحمته ؛ وأن يعفو عما بدر منا من معصية أو قصور في طاعته ؛ وأن يحبب إلينا الايمان ، وأن يزينه في قلوبنا ، وأن يكره إلينا الكفر والعصيان ، وأن يجعلنا من الراشدين . اللهم آمين .