صرخة أم


د. هنيدة بنت نزيه قدوري
دهشت لموقف سمعته عن أحد الفائزين بجائزة الحلم قد كسب مليون دولار في برنامج في أحد القنوات الفضائية بفضل الله ثم دعوة أمه له قبل وفاتها بثلاثة أيام بأن يرزقه رزقًا لا حدود له لأنه كان عاطلاً عن العمل لتفرغه لخدمتها والاهتمام بها ومراعاتها أثناء مرضها وقبل وفاتها فهنيئًا لهذا الابن ورحم الله تلك الأم.
وتذكرت شكوى بعض الأمهات من أبنائهم ومعاناتهم من الوحدة والغربة، فالوحدة والغربة التي تشعر بها تلك الأم ليست في المكان، بل في الشعور بأنها غير مرئية، وليست لها قيمة، ولا يُسأل عنها، ولا يُستمع لما يؤلمها، ولم تكن تتخيل يومًا أن يأتي عليها وقت تشعر فيه بأنها ضيفة في بيتها، وغريبة بين أبنائها الذين ربتهم على الحب والحنان والتضحية، وبذلت لأجلهم من صحتها وعمرها كل ما تملك، فقد كانت تتوقع بأن دفء الأبناء سيبقى حضنها الآمن، ولكن الواقع كان مختلفًا وقاسيًا حدّ الوجع ، فأصبحت هذه الأم تمضي أيامها في صمت ثقيل، تنظر إلى جدران المنزل، وتُحدّث نفسها عن أيام كانت فيها الحياة مليئة بالضحكات والأحاديث البسيطة مع أبنائها، أما اليوم فالكل مشغول، والكل يظن أن الأم قوية بما يكفي لتتحمّل، لكنها في الحقيقة هشة، تتكسر من الداخل بصمت ؛ لغياب القلوب التي كانت تظنها الأقرب، فلا تجد من يسأل: كيف حالكِ يا أمي؟، أو ماذا يؤلمك؟ فتمرض فلا يُدرى بها، تحزن فلا تُواسى، تفرح فلا تُشارك، تشتاق فلا يُلبى لها النداء.
فهذه صرخة كل أم تُستنزف دون مقابل، وتُعاني في صمت دون سند وتشعر بأن مشاعرها أصبحت عبئًا، وأن شكواها لا تؤخذ على محمل الجد، وكأن ألمها غير مُعترف به، وأنها مطالبة دائمًا بأن تكون في وضع المُعطية لا المُستقبلة، صرخة لا تطلب شيئًا كثيرًا، فقط القليل من الاهتمام والاحتواء، نظرة محبة، كلمة تُشعرها بأنها لا تزال مهمة، وأن مشاعرها ليست شيئًا يمكن تجاهله أو الاستهانة به.
فالأم لا تحتاج للأموال بل تحتاج قلبًا يشعر بها، ووقتًا صادقًا يُشعرها بأنها لا تزال حية في قلوب أبنائها، كما كانت هي تحيا من أجلهم.
نداء لكل من يقرأ هذه الكلمات، إن كانت أمك على قيد الحياة، فلا تؤجل احتضانها، واستعمال أجمل الكلمات عند مخاطبتها ، ولا تنتظر أن تطلب، كن مبادرًا في تلبية احتياجاتها فهي لم تبخل عليك يومًا بحب أو عطاء، وإن كانت تحت التراب، فادعُ لها وكن بارًا بها بدعائك وصدقتك عنها.
Hnoo-yaaa@hotmail.com