مقالات

الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي رحمه الله ١٣٤٢ هـ – ١٣٧٧ هـ

حسن بن محمد منصور مخزم الدغريري

حسن بن محمد منصور مخزم الدغريري

بسم الله الرحمن الرحيم

  الشيخ العلامة  حافظ بن أحمد بن علي الحكمي أحد علماء منطقة جازان . ولد رحمه الله في ليلة ٢٤ / ٩ / ١٣٤٢ هـ بقرية السلام التابعة لمدينة المضايا ؛ ثم انتقل مع والده إلى قرية الجاضع للزراعة ؛ ورعي الماشية . نشأ الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله في كنف والديه نشأةً صالحةً تربى فيها على العفاف ، والطهارة ، وحسن الخلق ؛ وكان قبل بلوغه يقوم برعي غنم والديه ؛ وقد تعلم القراءة ، والكتابة ؛ وأتقن الخط ، وحفظ كثيراً من سور القرآن في حال صغره ؛ وذلك عندما أدخله والده مع شقيقه الأكبر محمداً مدرسةً لتعليم القرآن الكريم بقريته الجاضع ؛ وكان عمره آنذاك سبع سنين ؛ واشتغل بعد ذلك مع أخيه بقراءة كتب الفقه ، والفرائض ، والحديث ، والتفسير ، والتوحيد ، مطالعةً ، وحفظاً ، وكان ذلك بمنزل والده رحمه الله تعالى ، ولم يكن بالقرية حينئذٍ عالمٌ يوثق بعلمه حتى يتتلمذا على يديه ، ولمَّا قدم من نجدٍ الشيخ العلامة عبدالله بن محمد القرعاوي رحمه الله إلى منطقة جازان بتوجيه من الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي الديار السعودية رحمه الله ، وكان ذلك في عام ١٣٥٨ هـ بعد أن سمع القرعاوي رحمه الله حاجة المنطقة إلى من يعلمهم أمر دينهم ؛ وما كانت عليه المنطقة من الجهل ، والبدع ، والخرافات العقدية شأنها شأن أي منطقة أخرى يقل فيها الدعاة إلى الله ، والمصلحون العلماء ؛ فنذر الشيخ القرعاوي نفسه أن يقوم بالدعوة إلى الله في منطقة جازان ؛ ويسعى في إصلاح ما يمكن إصلاحه فيها من عقائد فاسدة ؛ وما علقت في أذهان الناس من خرافات وبدع محدثة . وفي عام ١٣٥٩ هـ وفي مدينة صامطة بالتحديد جاء الشيخ محمد بن أحمد الحكمي برسالةٍ من شقيقه الأصغر الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي يطلب منه كتباً في التوحيد ؛ وأن يتوجه إليه في قريت الجاضع ؛ ليستفيد من دروسه ، وتوجيهاته السديدة ، واعتذر الشيخ حافظ بعدم قدرته على المجيء إلى الشيخ القرعاوي في صامطة ؛ لانشغاله بخدمة والديه ، والعناية بشؤونهما ؛ فما كان من الشيخ عبدالله القرعاوي رحمه الله إلاَّ أن لبَّى دعوته ؛ والتقى بالشيخ حافظ الحكمي في قريته الجاضع ، وعرف الشيخ حافظ عن كثب ، وتوسّم فيه النجابة ، والذكاء ، فمكث الشيخ عبدالله القرعاوي رحمه الله في قرية الجاضع عدة أيامٍ ألقى فيها دروساً علميةً ؛ حضرها مجموعةٌ من شيوخ القرية ، وشبابها ، ومن بينهم الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي ؛ الذي كان أصغرهم سناً ؛ لكنَّه أسرعهم فهماً ، وأكثرهم حفظاً ، واستيعاباً لما يلقي الشيخ القرعاوي من معلوماتٍ نافعةٍ ، ودروسٍ شرعيةٍ مباركةٍ ؛ يقول الشيخ عبدالله القرعاوي رحمه الله : ” وهكذا جلستُ عدة أيامٍ في الجاضع ؛ وحافظٌ يأخذ الدروس ؛ وإن فاته شيءٌ منها نقله من زملائه ؛ فهو على اسمه ( حافظ ) يحفظ بقلبه ، وخطِّه ، والطلبة الكبار كانوا يراجعونه في كلِّ ما يشكل عليهم في المعنى ، والكتابة ؛ لأنِّي كنت أملي عليهم إملاءً ، ثمَّ أشرحه لهم ” ولما أراد الشيخ عبد الله القرعاوي الرجوع الى المدرسة السلفية بصامطة طلب من والدي حافظ الحكمي أن يرسلاه معه ليطلب العلم على يديه في صامطة ؛ على أن يجعل لهما من يرعى غنمهما بدلاً عنه ؛ ولكنِّهما رفضا الطلب ؛ ثم شاء الله ألا تطول حياة والديه ؛ إذ توفيت والدته في شهر رجب عام ١٣٦٠ هـ ثم سمح له والده بعد ذلك بالذهاب للدراسة في المدرسة السلفية بصامطة مع أخيه محمداً ، ولكن تكون لمدة يومين أو ثلاثة فقط في الأسبوع ، ثم يعودان إلى الجاضع لخدمة والدهما ؛ ولم يعمَّر والده بعد ذلك طويلاً ؛ إذ انتقل إلى جوار ربه ؛ وهو عائد من حج عام ١٣٦٠ هـ رحمه الله ؛ وبعدها تفرغ الشيخ حافظ الحكمي للدراسة ، والتحصيل في قريته ؛ ثم في المدرسة السلفية بصامطة ؛ فعاد ولازم حلقات شيخه القرعاوي ملازمةً دائمةً يقرأ عليه ، ويستفيد منه ؛ وكان الشيخ حافظ رحمه الله مبرزاً في ذلك من بين أقرانه ، ونابغةً في حفظه ، وفهمه من بين إخوانه ؛ وقد أجاد قول الشعر ، والنثر معاً ؛ وألَّف المؤلفات العديدة في كثيرٍ من العلوم الشرعية ، والفنون الإسلامية ؛ قال عنه شيخه القرعاوي رحمه الله : ” لم يكن له نظيرٌ في التحصيل ، والتأليف ، والتعليم ، والإدارة في وقتٍ قصير ” وكانت أول مؤلفاته الشرعية رحمه الله وعمره ١٩ سنة ، وذلك حينما طلب منه شيخه القرعاوي أن يؤلِّف كتاباً في توحيد الله تعالى نظماً ؛ ليسهل حفظه على طلاب العلم ؛ فصنَّف منظومته المعروفة بسلم الوصول إلى علم الأصول في التوحيد ؛ وقد انتهى من تسويد النظم سنة ١٣٦٢ هـ وعدد أبياتها ٢٩٠ بيتاً ، وقد أجاد فيها الشيخ حافظاً وأفاد ، ولاقت استحسان شيخه القرعاوي ، والعلماء المعاصرين في زمنه ؛ ثمَّ تابع تصنيف الكتب بعد ذلك ؛ فألَّف في التوحيد ، ومصطلح الحديث ، والفقه وأصوله ، والفرائض ، والسيرة النبوية ، والوصايا والآداب العلمية ؛ وغير ذلك نظماً ، ونثراً ؛ وقد طبعت جميعها في طبعتها الأولى على نفقة المغفور له جلالة الملك سعود بن عبدالعزيز رحمه الله . وقد عين الشيخ عبد الله القرعاوي الشيخ حافظ الحكمي سنة ١٣٦٣ هـ مديراً للمدرسة السلفية بصامطة ؛ وهي من أوائل المدارس السلفية التي افتتحها الشيخ القرعاوي بمنطقة جازان ؛ ثم كثرت المدارس السلفية بعد ذلك ، حتى بلغت أكثر من ٢٥٠٠ مدرسة سلفية في قرى ومدن منطقة جازان وعسير ، وكان الشيخ حافظ الحكمي مساعداً لشيخه القرعاوي في الإشراف عليها ، وفي سنة ١٣٧٣ هـ افتتحت وزارة المعارف السعودية مدرسةً ثانوية بمدينة جيزان عاصمة المنطقة ؛ وكان الشيخ حافظ الحكمي أول مديرٍ لها في ذلك العام ، ثم افتتح بعد ذلك المعهد العلمي بصامطة ، وكان ذلك في عام ١٣٧٤ هـ وعين الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله مديراً له ، فقام بعمله فيه خير قيام ؛ وكان يلقي فيه المحاضرات العلمية ، والدروس الشرعية واللغوية ، على طلابه ؛ ويضع لهم بنفسه مذكرات دراسية في جميع الفنون العلمية ؛ ولم يزل الشيخ حافظ الحكمي مديراً للمعهد العلمي بصامطة حتى ذهب للحجَّ في سنة ١٣٧٧ هـ وبعد انتهائه من مناسك الحج توفي الشيخ رحمه الله في يوم السبت ١٨ / ١٢ / ١٣٧٧ هـ بمكة المكرمة على إثر مرضٍ ألمَّ به ؛ وهو في ريعان شبابه ؛ وكان عمره آنذاك ٣٥ سنةً ، ودفن بمكة المكرمة ؛ وقد حزن عليه ورثاه القاصي والداني من أهله ؛ ومحبيه ؛ وطلابه ؛ وقد خلّف بعد رحيله من الدنيا مكتبة علمية كبيرة عامرة بكل علمٍ وفن ؛ وأوصى بأن تكون وقفاً لله على طلاب العلم ؛ وضُمَّت إلى مكتبة المعهد العلمي بصامطة ؛ لينتفع بها المدرسون ، وطلاب العلم من كل مكان ؛ فرحمه الله رحمة الأبرار ؛ وجمعنا به وبالصالحين من عباده في جنات عدنٍ عند مليكً مقتدر . اللهم آمين .

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى