مشاعر في المنفى


وجنات صالح ولي
في زمنٍ استبدل فيه الناس الكلمات بوجوهٍ صفراء، والصوت الحنون بأغنيةٍ عابرة، أصبحت القلوب صامتة كأرصفة الليل، تنتظر عابرًا يطرق أبوابها، أو كلمةً صادقة تنقذها من الغرق.
“أخطر السجون، قلبٌ امتلأ بالكلام ولم يجد نافذة للبوح.”
صرنا نتقن فنون الهروب خلف الصور والرموز، نضع قلبًا أحمر بدل الاعتراف، ونرسل وردة بدل لقاء، وننشر أغنيةً بدل أن نواجه خوفنا ونقول: «اشتقت» أو «سامحني».
يا للخذلان! يا لقسوة هذا العصر، حين يصبح الكلام عيبًا، والصدق ضعفًا، والبكاء جريمة لا تُغتفر!
“ليس كل من يرسل وردة عاشق، قد تكون صرخة مختصرة: «أنقذوني!»”
هذا البخل العاطفي لم يُولَد في قلوبنا عبثًا، بل صنعته خيبات متراكمة، وأوجاع خفية، وقلوبٌ هُشّمت ثم صارت تخشى الانكشاف. ومع كل اختصار نرسله، نخسر قطعة من روحنا، حتى نصبح غريبين عن أنفسنا، غرباء في مشاعرنا، لا نعرف كيف نعبر، ولا أين نجد من يسمع.
“الوجوه الصفراء لا تبكي، ولا تنزف، ولا تحتضن… وحدها الكلمة تفعل ذلك.
صحيحٌ أن الحديث يحتاج إلى شجاعة، شجاعة لا يملكها إلا من عافى قلبه من الخوف، وترك الصمت خلفه.
إن التعبير ليس ترفًا، بل ضرورة. ضرورة كي نبقى أحياءً، كي لا نصبح قوالب متحركة بلا روح.
“أجمل ما في الإنسان، صوته حين يتردد خوفًا ثم يختار الشجاعة ويقول: «أفتقدك».”
الصور جميلة، والأغاني تلمس شغاف القلب، لكنها لا تكتب حكايتك الخاصة، ولا تعتذر بدلًا منك، ولا تحب بدل قلبك.
الصدق وحده يحررك، والصوت وحده يرمم شروخك.
“الأغنية لا تعتذر نيابة عنك، ولا الصورة تشرح ألمك… تكلّم، حتى يشفى قلبك.”
ارفع مشاعرك من المنفى، لا تحجبها خلف ستارة رموز مبتسمة أو قلوب مزيفة. دع الحرف يخرج، ودع القلب يقول، ودع العين تكتب حين تعجز الشفاه.
وختام قولي …ارفع علم مشاعرك، واكتبها، وقلها، وارسلها…
فالقلب ليس منفى، بل وطن يحتاجك حاضرًا، لا صورة ولا أغنية.
“في زمن الرموز، أبقى أنا عاشقةً للكلمة، أؤمن أن الحرف وحده ينجو من الغرق.