حين قبّلتني فراشة صغيرة


وجنات صالح ولى
أحيانًا، لا نحتاج إلى معجزة كبرى لننهض من خيباتنا،
بل نحتاج فقط إلى رفة جناح،إلى إبتسامة صافية،
إلى لمسة عابرة توقظ فينا ما غفَا طويلًا.. وفي زحام القلوب المزدحمة بالهموم، قد تأتيك رسالة الفرح في هيئة فراشة صغيرة،تطير في مدار روحك، وتخبرك دون كلام أن الحياة ما زالت جميلة، وأنكِ ما زلتِ تستحقين الفرح.
في إحدى المناسبات، حضرتُ وأنا أحمل في داخلي مزيجًا من القلق المتخبط، ذلك القلق الذي يجهدني ويستنزف روحي في صمت.
جلستُ على الطاولة بهدوء، والجميع يتحدثون ويتبادلون الضحكات، إلا هي… تلك الفراشة الصغيرة.
كانت تطيل النظر إليّ، تحدّق في وجهي بابتسامة آسرة، ابتسامة طفلة لا تعرف الكذب، ولا تُتقن زيف المشاعر.
كانت أشبه بنسمة صيفية مباغتة، تبث في داخلي دفئًا لطيفًا يذيب برودة القلق.
ما كان منها بعد حين، إلا أن استأذنت والدتها لتقترب نحوي، وتهمس لي بصوت يقطر براءة:
“أنتِ جميلة جدًا، لقد أعجبتُ بكِ كثيرًا!”
سقطت كلماتها في قلبي كنجمة، بعثرت كل ما كان حبيسًا في صدري، وأيقظت داخلي زهرات فرح نسيتها منذ زمن.
اقتربتُ منها، قبّلتُ خدها الندي، داعبتُ خصلات شعرها الحريرية، وقدّمتُ لها زجاجة عطر ومرآة صغيرة، كهدية تعكس قلبها الطفولي البريء، وتحتفظ بانعكاس تلك اللحظة البهية.
عادت الفراشة الصغيرة إلى والدتها، تحمل قبلة دافئة نبتت كوردٍ على خدّها.
ظلت تراقبني وأنا أراقبها، نتبادل صمتًا مليئًا بالمشاعر التي لا يراها إلا قلبان يعرفان لغة البراءة.
تلك الفراشة الصغيرة، التي تدعى (رتيل الطويرقي )، كانت قادرة على إسعادي بطريقة جميلةً جداً
فقد قبّلتني بصدق، وأيقظت في داخلي روحًا كانت تنتظر قبلة براءة واحدة لتنهض من جديد.
عدتُ من تلك اللحظة بروح جديدة، كأن قلبي خرج من سباته، وارتدى ثوب الفرح من جديد.
ربما لم يلحظ أحد تلك القبلة، ذلك السر العذب،لكن قلبي عرف تمامًا ما تعنيه،وكأن الله أرسلها لي لأتذكّر: أن أجمل الفرح غالبًا لا يجيء من ضجيج العالم، بل من قلب طفلة… قبّلتكِ مرة، وأسكنت فيكِ ربيعًا لا يزول
إهداء خاص:
إلى رتيل، الفراشة التي زارتني مرة، وتركت في قلبي ربيعًا لا يذبل. قد يكون الموقف شبه عادي عند الجميع ،إلا أنا فقد سكنني بحب .