السنة النبوية


حسن بن محمد منصور مخزم الدغريري
بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ السنة النبوية هي قول النبي صلى الله عليه وسلم أو فعله أو إقراره للصحابة على شيء ما ، وعدم إنكاره عليهم ؛ ولذا سموا أتباعه صلى الله عليه وسلم بأهل السنة ؛ ومخالفيه بأهل البدعة ؛ والسنة النبوية وحيٌ من الله كالقرآن ؛ سواءً بسواء ؛ وصدق الله تعالى إذ يقول : ( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ) ( النجم : ٣ – ٤ ) وقال تعالى : ( وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا ۚ مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا ۚ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) ( الشورى : ٥٣ ) والسنة النبوية هي المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي لا غنى لمسلم عنها طرفة عين ؛ فمن أنكرها أنكر القرآن ؛ ومن آمن بها آمن بالقرآن ؛ قال صلى الله عليه وسلم : ( ألَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ ) وفي رواية : ( ألَا هلْ عسى رجلٌ يبلغُه الحديثُ عنِّي ؛ وهوَ مُتَّكئٌ على أريكتِهِ ؛ فيقولُ : بيْنَنا وبينَكم كتابُ اللهِ ؛ فما وجَدْنا فيهِ حلالًا استَحْلَلْناه ؛ وما وجدنا فيه حرامًا حرَّمْناه ، وإنَّ ما حرَّمَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ كمَّا حرَّمَ اللهُ ) رواه الترمذي في سننه ؛ وصححه الألباني في صحيح الترمذي برقم ٢٦٦٤ وإنَّه لا يجوز الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ ونسبة شيء إليه ؛ وهو لم يقله ؛ أو يفعله ؛ أو يقره ؛ قال صلى الله عليه وسلم : ( إنَّ كَذِبًا عَلَيَّ ليسَ كَكَذِبٍ علَى أَحَدٍ ، مَن كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا ؛ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ) رواه البخاري في صحيحه ؛ فلذا كان للمحدثين ، وأهل الجرح والتعديل قديماً وحديثا ؛ الفضل الكبير ؛ والمنزلة العليا عند الله ؛ لجمعهم للسنة المطهرة في كتبٍ مدونة كالصحيحين ؛ والسنن ؛ والمسانيد ، وغيرها ؛ وبيان الصحيح منها من الضعيف ؛ فرحم أهل الحديث ؛ رحمة الأبرار ؛ جزاء ما قدموا للإسلام والمسلمين .
معشر القراء : نحن أهل الإسلام مكلَّفون باتباع السنة النبوية ، والعمل بها ؛ كما نحن مكلَّفون بالقرآن ، والعمل به ؛ قال الله تعالى : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) ( الحشر : ٧ ) وقال تعالى : ( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) ( آل عمران : ٣١ ) وقال تعالى : ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) ( النور : ٦٤ ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( فإنَّه من يعِشْ منكم بعدي ؛ فسيرى اختلافًا كثيرًا ، فعليكم بسنتي ، وسنةِ الخلفاءِ المهديّين الراشدين تمسّكوا بها ، وعَضّوا عليها بالنواجذِ ، وإياكم ومحدثاتِ الأمورِ ؛ فإنَّ كلَّ محدثةٍ بدعةٌ ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ ) رواه أبو داود في سننه ؛ وصححه الألباني في صحيح أبي داود برقم ٤٦٠٧ وقال صلى الله عليه وسلم : ( إني قد تركتُ فيكم ما إن اعتصمتُم به ؛ فلن تَضِلُّوا أبدًا ، كتابَ اللهِ ، و سُنَّةَ نبيِّه ) رواه الحاكم في مستدركه ؛ وصححه الالباني في صحيح الترغيب برقم ٤٠ .
والسنة النبوية مفسِّرةٌ ؛ وموضحةٌ لما في القرآن ؛ قال الله تعالى : ( وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) ( البقرة : ١١٠ ) فلم يبيِّن لنا ربنا في كتابه صفة الصلاة ؛ ولا أنصبة الزكاة ، ولا المخرج منها لمستحقيها إلاِّ رسول الله عليه وسلم في سنته ؛ وغيرها من الأحكام الشرعية .
وكذا السنة مقيدةٌ لما أجمل في القرآن ؛ ومخصصةٌ لبعض عموماته ، كالوصية التي جاءت في قوله تعالى : ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ) ( النساء : ١١ ) فقد قيدت الوصية ، وحددت بالثلث في قوله صلى الله عليه وسلم : ( فَالثُّلُثُ ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ ) رواه البخاري ومسلم . وتحريم الميتة والدم ؛ اللتين حرمتا في قوله تعالى : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ ) ( المائدة : ٣ ) بيَّن الله إباحتهما في قوله صلى الله عليه وسلم : ( أُحِلَّت لَكُم ميتتانِ ودَمانِ : فأمَّا الميتَتانِ ، فالحوتُ والجرادُ ؛ وأمَّا الدَّمانِ ، فالكبِدُ والطِّحالُ ) رواه ابن ماجه في سننه ؛ وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه برقم ٢٦٩٥ وغيرها من الأحكام الشرعية كثير .
وفي السنة النبوية ما جاءت أحكامها زائدةً عما في القرآن ؛ كما ورد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيحين : ( نَهَى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنْ تُنْكَحَ المَرْأَةُ علَى عَمَّتِهَا ، والمَرْأَةُ وخَالَتُهَا ) وكما في قوله صلى الله عليه وسلم : ( ألا لا يحلُّ ذو نابٍ منَ السِّباعِ ، ولا الحِمارُ الأَهليُّ ، ولا اللُّقطةُ من مالِ معاهَدٍ إلَّا أن يستغنيَ عنْها ، وأيُّما رجلٍ ضافَ قومًا فلم يقروهُ فإنَّ لَهُ أن يُعقبَهم بمثلِ قِراهُ ) رواه أبو داود في سننه ؛ وصحح الحديث الألباني في صحيح أبي داود برقم ٣٨٠٤ .
معشر القراء : الواجب على أهل الإسلام ، وغيرهم تعظيم السنة النبوية ؛ كتعظيم القرآن ؛ والعمل بها ؛ كالعمل بالقرآن ؛ ومعرفة قدرها ، وعلو شأنها في الإسلام ؛ ووجوب الالتزام بها ؛ ظاهراً ، وباطناً عند أهل الإيمان ؛ وهذا هو مقتضى شهادة أن ألَّا إله إلَّا الله ؛ وشهادة أنَّ محمداً رسول الله ؛ فالأولى تعني الإخلاص لله ؛ والثانية تعني المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قاله ؛ وفعله ، وأقره عليه الصلاة والسلام ؛ قال الإمام الزهري رحمه الله : ” الاعتصام بالسُّنَّةِ نجاةٌ ” وقال النيسابوري رحمه الله : ” مَن أمَّرَ السنَّةَ على نفْسِه قَولًا ، وفِعلًا ؛ نطقَ بالحِكمةِ ” وقال الجنيد رحمه الله : ” الطرقُ كلُّها مسدودةٌ على الخلق إلا من اقتفى أثر الرسول ؛ واتَّبَع سُنَّتَه ؛ ولزم طريقته ، فإن طريق الخيرات كلها مفتوحة عليه ” وقال الإمام ابن عبدالبر رحمه الله : ” البركة ، والخير كلُّه في اتِّباع أدب رسول الله ، وامتثال أمره ” وقال مالك بن أنس رحمه الله : ” سمعتُ ابن شهاب يقول : سلِّموا للسنة ، ولا تعارضوها ؛ ما من أحدِ إلا يُؤخَذ من قوله ، ويُتْرَك ؛ إلا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ” وقال الإمام ابن عبدالبر رحمه الله : ” الحجة عند الاختلاف السُّنَّةُ ، وأنها حُجَّةٌ على مَن خالفها ” نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهل السنة ؛ وألَّا نكون من أهل البدعة ؛ وأن يمنَّ علينا وعليكم بمرافقة نبيه محمدٍ صلى الله عليه وسلم في الجنة ، ووالدينا ووالديكم ، وجميع المسلمين ؛ إنَّه ولي ذلك والقادر عليه . اللهم آمين