الرحيق المختوم أكبر قائد عسكري في الدنيا.. النبي محمد


إنجى علام
إذا نظرنا إلى غزوات النبي صلى الله عليه وسلم وبعوثه وسراياه ، لا يمكن لنا ولا لأحد ممن ينظر في أوضاع الحروب وآثارها وخلفياتها لا يمكن لنا إلا أن نقول
إن النبي صلى الله عليه وسلم كان أكبر قائد عسكري في الدنيا ، وأشدهم وأعمقهم فراسه و تيقظاً ، إنه صاحب عبقريه فذه في هذا الوصف ، كما كان سيد الرسل وأعظمهم في صفه النبوة والرسالة ، فلم يخض معركة من المعارك إلا في الظرف ومن الجهه اللذين يقتضيهما الحزم والشجاعه والتدبير ، ولذلك لم يفشل في أي معركة من المعارك التي خاضها لغلطه في الحكمه ، وما إليها من تعبئه الجيش ، وتعيينه على المراكز الاستراتيجيه ، واحتلال أفضل المواضع وأوثقها للمجابهة ، واختيار أفضل خطه لإداره دفه القتال ، بل أثبت في كل ذلك أن له نوعاً آخر من القياده غير ماعرفتها الدنيا في القواد ، ولم يقع ما وقع في( أُحُد وحنين ) إلا من بعض الضعف في أفراد الجيش -في حنين- أو من جهه معصيتهم أوامره ، وتركهم التقيد والالتزام بالحكمه والخطة ، اللتين كان أوجبهما عليهم من حيث الواجهة العسكرية .
وقد تجلت عبقريته صلى الله عليه وسلم في هاتين الغزوتين عند هزيمه المسلمين ، فقد ثبت مجابهاً للعدو ، واستطاع بحكمته الفذه أن يخيبهم في أهدافهم كما فعل في أُحُد ، أو يغير مجرى الحرب ، حتى يبدل الهزيمه انتصاراً ، كما في حنين ، مع أن مثل هذا التطور الخطير ، ومثل هذه الهزيمة الساحقة تأخذان بمشاعر القواد ، وتتركان على أعصابهم أسوأ أثر ، لا يبقى لهم بعد ذلك إلا هم النجاة بأنفسهم .
هذه من ناحيه القيادة العسكرية الخالصة ، أما من نواح أخرى ، فإنه استطاع بهذه الغزوات فرض الأمن وبسط السلام ، وإطفاء نار الفتنه وكسر شوكة الأعداء في صراع الإسلام والوثنية ، وإلجائهم إلى المصالحة ، وتخليه السبيل لنشر الدعوة ، كما استطاع أن يتعرف على المخلصين من أصحابه ممن هو يبطن النفاق ، ويضمر نوازع الغدر والخيانة.
وقد أنشأ طائفة كبيرة من القواد ، الذين لاقوا بعده والفرس والرومان في ميادين العراق والشام ، ففاقوهم في تخطيط الحروب ، وإداره دفة القتال ، حتى استطاعوا إجلاءهم من أرضهم وديارهم وأموالهم من جنات وعيون ،وزروع ومقام كريم ، ونعمة كانوا فيها فاكهين .
كما استطاع رسول الله صلى الله عليه وسلم بفضل هذه الغزوات أن يوفر السكني والأرض و الحرف والمشاغل للمسلمين ، حتى تخلص من كثير من مشاكل اللاجئين ، الذين لم يكن لهم مال ولا دار ، وهيأ السلاح والخيل والعده والنفقات ، حصل على كل ذلك من غير أن يقوم بمثقال ذرة من الظلم والطغيان ، والبغي والعدوان على عباد الله.
وقد غير أغراض الحروب وأهدافها التي كانت تضطرم نار الحرب لأجلها في الجاهلية ، فبينما كانت الحرب عباره عن النهب والسلب ، والقتل والإغاره ، والظلم والبغي والعدوان ، وأخذ الثأر ، والفوز بالوتر، وكبت الضعيف وتخريب العمران ، وتدمير البنيان ، وهتك حرمات النساء ، والقسوة بالضعاف والولائد والصبيان ، وإهلاك الحرث والنسل ، والعبث والفساد في الأرض في الجاهليه ،إذ صارت هذة الحروب في الإسلام جهاداً في تحقيق أهدافداف نبيله ، وأغراض ساميه ، وغايات محموده ، يعتز بها المجتمع الإنساني في كل زمان ومكان ، فقد صارت الحروب جهاداً في تخليص الإنسان من نظام القهر والعدوان ،إلى نظام العدالة والنصف ، من نظام يأكل فيه القوي الضعيف ، إلى نظام يصير فيه القوي ضعيفاً ، حتى يؤخذ منه ، وصارت جهاداً في تخليص”وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ” هي من سورة النساء رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا”. وصارت جهاداً في تطهير أرض الله من الغدر والخيانة والإثم والعدوان ، إلى بسط الأمن والسلامة والرأفة والرحمة ومراعاة الحقوق والمروءة.
كما شرع للحروب قواعد شريفة ، ألزم التقيد بها على جنوده قوادها ، ولم يسمح لهم الخروج عنها بحال ، روى سليمان ابن بعيده عن أبيه ، قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميرا ً على جيش او سرية ، أوصاه في خاصته بتقوى الله عز وجل ، ومن معه من المسلمين خيراً ، ثم قال (اغزوب بسم الله ,في سبيل الله ,قاتلوا من كفر بالله, اغزوا, فلا تعلوا ,ولا تغدروا ,ولا تُمثلوا ,ولا تقتلوا وليدا ) .
وكان يأمر بالتيسير ويقول (يسروا ولا تعسروا وسكنوا ولا تنفروا ).
وكان إذا جاء قوماً بليل ، لم يُغرِ عليهم حتى يصبح ، ونهى أشد النهي عن التحريق في النار ، ونهى عن قتل الصبية ، وقتل النساء وضربهن ، ونهى عن النهب ، حتى قال (إن النهبى ليست بأحل من الميته ) ونهى عن إهلاك الحرث والنسل ، وقطع الأشجار ، إلا إذا اشتدت إليها الحاجه ، ولا يبقى سواه سبيل .
وقال عند فتح مكه : (لا تجهزن على جريح ولا تتبعن مديراً ، ولا تقتلن أسيراً) وأمضي السنه بأن السفير لا يقتل ، وشدد في النهي عن قتل المعاهدين حتى قال (من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها لتوجد عن مسيرة أربعين عاماً) إلى غير ذلك من القواعد النبيلة ، التي طهرت الحروب من أدران الجاهلية ، حتى جعلتها جهاداً مقدساً.