ذكريات الولد الشقي..”نهاية حكاية… وبداية حنين”


فايل المطاعنى
ذكريات الولد الشقي
الحلقة الأخيرة
تأليف: فايل المطاعني
“نهاية حكاية… وبداية حنين”
في قطار الأيام الذي لا يتوقف، جلستُ عند النافذة أرقب محطات العمر تتوالى، وأبتسم بحذر… كأنّي أُودّع طفولتي بصمتٍ يليق بها.
اليوم، لا أحكي عن مغامرة ولا أروي حكاية جديدة، بل أكتب آخر سطور الولد الشقي… ذاك الذي كبر، وغيّرته الأيام، لكن قلبه ظلّ يحمل ضحكة مشاغب، ودمعة متخفّية خلف قناع الذكريات.
في هذه الصفحة الأخيرة، سأُحدّثكم عن وجوه مرّت في حياتي، وشخصيات تركت في قلبي بصمة لا تمحى… كانوا محطات في رحلتي، وكلّ محطة علمتني شيئًا، وربما أخذت مني شيئًا أيضًا.
العم عثمان
بحّارٌ من الزمن الجميل. التقيته ذات مساء في بيت ابنته، وبمحض صدفة بحرية، حكى لي عن نجاته من غرق سفينة عمانية في خمسينيات القرن الماضي.
كان حديثه كأنّه فصول من رواية “الشيخ والبحر”. رجل سبعيني، لكنه يحمل ذاكرة لا تشيخ، وأخلاقًا لا يغمرها الموج.
الشاعر خميس الراسبي
هو أوّل من علّمني أن الحياة ليست طبقًا من فضة، بل معركة تُخاض.
شاعر، خطيب، ومعلّم للصبر والكفاح. بصوته الواثق، علّمني كيف أقف على قدمي، وأتعلّم أن الفشل ليس نهاية، بل منعطف.
عبدالعزيز العلوي
صديق الطفولة، وأغنية الشباب التي لم تُطفئها السنون.
فنان بصوت يُشبه الندى، مبدع لا يعرف البخل في العطاء.
كان – ولا يزال – صديق المراحل. ومن هنا، أرسل له تحية حب وامتنان… لأن الصداقة الحقيقية لا تشيخ.
الشيخ حسن
إمام جامع الشيخة لطيفة في البريمي – أو جامع أهل دبي في حارة القاضي – مصري الجنسية، لكنّه كان لكلّ الجنسيات وطنًا.
علّمني أن الإيمان يُحمل في القلب لا في المظهر، وأن التديّن الحقيقي ليس عبوسًا بل رحمة.
كان بسيطًا، لكنه أوصلني إلى أعماق الحكمة.
علاء محجوب
صديقي السوداني، صاحب العبارة التي لا أنساها أبدًا:
“إما أن تكون حاجة كبيرة… أو تموت.”
عبارة أرعبتني في البداية، لكنّها بقيت عالقة كتعويذة تحفّزني كلما تعثّرت.
لا أعلم أين هو الآن، لكنني أردّد في داخلي:
“يا علاء… لم أمت، وربما أصبحت شيئًا… أو في الطريق.”
مرّ كثيرون في حياتي، بعضهم كان ضيفًا خفيفًا، وبعضهم كان فصلاً لا يُنسى.
أما الآن… فأشدّ حقائبي، وأُغلق دفتر الولد الشقي. كبرت، وأصبحت شابًا، ثم أبًا، لكني حين أنظر في المرآة…
أبتسم بخبث، وأهمس لنفسي:
“لا تزال هناك مشاغبة صغيرة في عينيك… يا ولد شقي.”
الخاتمة:
إلى كلّ من قرأني، وضحك معي، وركض في شوارع الذاكرة، وشاغبني بالكلمة والموقف…
أقول لكم:
شكرًا لأنكم كنتم شهودًا على شقاوتي، شركاء في جنوني الجميل، ورفاقًا في رحلة لم تكن طويلة… لكنها كانت دافئة.
وإن سألني أحدهم يومًا:
“أين ذهب الولد الشقي؟”
سأبتسم، وأردّ:
“ما زال هناك… في دفء الورق، وخلف كل ضحكة صادقة.”
وداعًا…
لكن على طريقة الولد الشقي:
وداعًا… بشقاوة، بحب، وبحكاية لا تنتهي!