الأدب والشعر

ذكريات الولد الشقي..الرجولة كما رآها الطفل في المرآة

فايل المطاعني

فايل المطاعني

كثيرًا ما كنت أظن أن الرجولة مجرد صوت غليظ أو عضلات مفتولة، أو ربما شاربٌ كثيفٌ يفرد جناحيه كبطلٍ في فيلم قديم.

لكني، مع الأيام، ومع المواقف التي لا تنظر في بطاقة الهوية، تعلّمت أن الرجولة شيء آخر… شيء لا يُرى، بل يُحسّ ويُمارس.

وربما كانت أمي أول من أيقظ في داخلي هذا المعنى حين قالتها ذات مساء…

“أنت رجل!”

عندما بلغت الرابعة عشرة من عمري، سمعت والدتي تناديني بذلك النداء المختلف، النبرة التي غيّرت نظرتي للعالم:

“أنت رجل البيت.”

كانت تلك المرة الأولى التي أسمع فيها كلمة “رجل” من فم أمي. لم تكن مجرد كلمة، بل شارة شرف، وعبء ثقيل على كتفيّ النحيلين، لكنها نبتت داخلي كالنبع الصافي.

كنت أفرح حين يناديني أحدهم قائلًا:

“يا رجل!”

بدلًا من “أيها الصغير” أو “يا فتى”،رغم أنني لم أكن أملك شاربًا كشوارب فتوات مصر،ولا صوتًا جهوريًا كصوت أبطال الشام،لكنني كنت رجلاً… بأسلوبي.

رجل، حين أحفظ سلوكي ولا أقتحم خصوصيات الآخرين…رجل، حين يطرق صديقي بابي آخر الليل مرتجفًا:”هل ترافقني للمستشفى؟ أبي لا يتحرك.”

فألبس روحي قبعة الرجولة، وأمضي معه دون تردد.

رجل، حين تأتي المصائب فرادى أو جماعات، فأثبتُ في وجهها بقلبٍ شجاع وعزيمة لا تلين.

لم أكن يومًا ولدًا شقيًا فحسب… بل شقيًّا حكيمًا، رجلًا بملامح طفل، وعقلاً يُنصت للكبار ويحترمهم.

رجل يغضّ الطرف عن عيوب الناس، لا لأنّه لا يراها، بل لأنه يعلم أن الرجولة صمتٌ عن التفاهة، وسموّ فوق الصغائر…الرجولة ليست صوتًا خشنًا، ولا عضلات مشدودة…بل قلب يتحمّل، وعقل يتفهّم، وضمير لا يغيب

خاتمة: رجولة بلا استعراض… وشوارب بلا حاجة!

هكذا كبرت، لا بصوتي، ولا بجسدي،بل بمواقفي، وردودي، وهدوئي حين تعلو الأصوات.

لم أكن أبحث عن لقب “رجل” في كلام الناس،بل كنت أبحث عنه في مرآة قلبي،ووجدته هناك، حين أصبحت رجلاً لا يُرى…بل يُعاش.أما الشارب فلم يظهر حتى الآن!

لكني ما زلت رجلاً، وسأنتظر ظهوره بهدوء… أو أشتري واحدًا مستعارًا في موسم التنزيلات!

ودمتم بخير…

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى