مقالات

الحذر من الفتن

حسن بن محمد منصور مخزم الدغريري

حسن بن محمد منصور مخزم الدغريري

بسم الله الرحمن الرحيم 

   معشر القراء : أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن آخر الزمان تكثر فيه الفتن التي تصد المسلم عن دينه الإسلامي النقي ؛ عقيدةً ؛ وشريعةً ؛ وأخلاقاً وسلوكاً ؛ من فتنة الشبهات ، وفتنة الشهوات ؛ التي يتعرض لها المسلم صباحا ومساء ؛ وخاصة عبر وسائل الإعلام المختلفة ؛ ومواقع التواصل الاجتماعي المتنوعة ؛ مصداق ذلك ما جاء في قول الله تعالى : ( فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا * إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا ) ( مريم : ٥٩ – ٦٠ ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( بَادِرُوا بالأعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ المُظْلِمِ ؛ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا ، وَيُمْسِي كَافِرًا ؛ أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا ، وَيُصْبِحُ كَافِرًا ؛ يَبِيعُ دِينَهُ بعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا ) رواه مسلمٌ في صحيحه ؛ وقال صلى الله عليه وسلم : ( يأتي علَى النَّاسِ زمانٌ الصَّابرُ فيهِم على دينِهِ كالقابِضِ على الجمرِ ) رواه الترمذي في سننه ؛ وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم ٢٢٦٠ .

وإنَّ النجاة من فتنة الشهوات والشبهات التي تصد المسلم عن دينه – والتي توقعه في الكفر أحياناً أو في البدعةً تارةً أخرى أو في المعصية كرات ومرات – بالأمور التالية :

١- الاعتصام بكتاب الله ؛ وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ بفهم السلف الصالح ؛ والسير على منهاجهم وطريقتهم ؛ قال الله تعالى : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) ( آل عمران : ١٠٣ ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( إنه من يعِشْ منكم بعدي ؛ فسيرى اختلافًا كثيرًا ؛ فعليكم بسنتي ، وسنةِ الخلفاءِ المهديّين الراشدين تمسّكوا بها ، وعَضّوا عليها بالنواجذِ ، وإياكم ومحدثاتِ الأمورِ ؛ فإنَّ كلَّ محدثةٍ بدعةٌ ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ ) رواه أبو داود في سننه ؛ وصححه الألباني في صحيح أبي داود برقم ٤٦٠٧ .

٢- الرجوع إلى علماء الشريعة ؛ وسؤالهم عما أشكل من فتنة الشهوات والشبهات حتى لايقعوا فيها ؛ وقد قال الله تعالى : ( وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا ) ( النساء : ٨٣ ) وفي الصحيحين من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : ( كانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَنِ الخَيْرِ ، وكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي ، فَقُلتُ : يا رَسولَ اللَّهِ : إنَّا كُنَّا في جَاهِلِيَّةٍ وشَرٍّ ، فَجَاءَنَا اللَّهُ بهذا الخَيْرِ ، فَهلْ بَعْدَ هذا الخَيْرِ مِن شَرٍّ؟ قالَ : نَعَمْ ، قُلتُ : وهلْ بَعْدَ ذلكَ الشَّرِّ مِن خَيْرٍ؟ قالَ : نَعَمْ ، وفيهِ دَخَنٌ ، قُلتُ: وما دَخَنُهُ؟ قالَ : قَوْمٌ يَهْدُونَ بغيرِ هَدْيِي ؛ تَعْرِفُ منهمْ وتُنْكِرُ ، قُلتُ : فَهلْ بَعْدَ ذلكَ الخَيْرِ مِن شَرٍّ؟ قالَ : نَعَمْ ، دُعَاةٌ إلى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَن أَجَابَهُمْ إلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا ، قُلتُ : يا رَسولَ اللَّهِ : صِفْهُمْ لَنَا؟ فَقالَ : هُمْ مِن جِلْدَتِنَا ، ويَتَكَلَّمُونَ بأَلْسِنَتِنَا ، قُلتُ : فَما تَأْمُرُنِي إنْ أَدْرَكَنِي ذلكَ؟ قالَ : تَلْزَمُ جَمَاعَةَ المُسْلِمِينَ وإمَامَهُمْ ، قُلتُ : فإنْ لَمْ يَكُنْ لهمْ جَمَاعَةٌ ولَا إمَامٌ؟ قالَ : فَاعْتَزِلْ تِلكَ الفِرَقَ كُلَّهَا ، ولو أَنْ تَعَضَّ بأَصْلِ شَجَرَةٍ ، حتَّى يُدْرِكَكَ المَوْتُ وأَنْتَ علَى ذلكَ ) وقال الحسن البصري ( تاريخ البخاري الكبير ٢/٣٢٢ ) : ” الفتنة إذا أقبلت عرفها كل عالمٍ ، وإذا أدبرت عرفها كل جاهل ” .

٣- البعد عن الفتن التي تصد العبد المسلم عن دينه ؛ وتوقعه في الذنوب والمعاصي أياً كان نوعها وعقوبتها ؛ قال صلى الله عليه وسلم : ( إنَّ السَّعيدَ لمن جُنِّبَ الفتنَ إنَّ السَّعيدَ لمن جُنِّبَ الفتنَ إنَّ السَّعيدَ لمن جُنِّبَ الفتنَ ولمنِ ابتُلِيَ فصبرَ فواهًا ) رواه أبو داود في سننه ؛ وصححه الألباني في صحيح أبي داود برقم٤٢٦٣ وقال صلى الله عليه وسلم : ( يُوشِكُ أنْ يَكونَ خَيْرَ مَالِ المُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بهَا شَعَفَ الجِبَالِ ، ومَوَاقِعَ القَطْرِ ، يَفِرُّ بدِينِهِ مِنَ الفِتَن ) رواه البخاري في صحيحه .

٤– إذا اضطر العبد المسلم للدخول في الفتن ؛ فعليه أن يكون صابراً محتسباً ، ويسأل ربه الثبات على الحقِّ حتى لايتأثَّر بشيء منها ؛ قال الله تعالى : ( أَلَمِّ * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ) ( العنكبوت : ١-٣ ) وفي حديث خباب بن الأرت رضي الله عنه قال : ( شَكَوْنا إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ؛ وهو مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً له في ظِلِّ الكَعْبَةِ ؛ فَقُلْنا : ألا تَسْتَنْصِرُ لنا ؛ ألا تَدْعُو لَنَا ؟ فقالَ : قدْ كانَ مَن قَبْلَكُمْ ؛ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ ، فيُحْفَرُ له في الأرْضِ ؛ فيُجْعَلُ فيها ، فيُجاءُ بالمِنْشارِ ؛ فيُوضَعُ علَى رَأْسِهِ ؛ فيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ ، ويُمْشَطُ بأَمْشاطِ الحَدِيدِ ، ما دُونَ لَحْمِهِ وعَظْمِهِ ، فَما يَصُدُّهُ ذلكَ عن دِينِهِ ، واللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هذا الأمْرُ ، حتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِن صَنْعاءَ إلى حَضْرَمَوْتَ ، لا يَخافُ إلَّا اللَّهَ ، والذِّئْبَ علَى غَنَمِهِ ، ولَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ ) رواه البخاري في صحيحه .

٥- الإكثار من دعاء الله أن يجنبنا وإياكم الفتن ما ظهر منها ؛ وما بطن ؛ وفي الحديث : ( إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ ؛ فَلْيَسْتَعِذْ باللَّهِ مِن أَرْبَعٍ يقولُ : اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِن عَذَابِ جَهَنَّمَ ، وَمِنْ عَذَابِ القَبْرِ ، وَمِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا وَالْمَمَاتِ ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ ) رواه البخاري ومسلم ؛ وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما : ( لم يكنْ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدَعُ هؤلاء الدعواتِ حينَ يُمسي ، وحينَ يُصبِحُ : اللهم إنِّي أسألُك العافيةَ في الدنيا والآخرةِ ، اللهم إنِّي أسألُك العفوَ والعافيةَ ؛ في ديني ، ودنياي ، وأهلي ، ومالي ) رواه أبو داود في سننه ؛ وصححه الألباني في صحيح أبي داود برقم ٥٠٧٤ اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة وفي الآخرة ؛ ولا تضلنا عن الحق بعد أن هديتنا إليه ؛ ونعوذ بك من شرور أنفسنا ، وسيئات أعمالنا ؛ وقنا عذاب النار ، وأدخلنا الجنة مع الأبرار . اللهم آمين .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى