مقالات

الإجازة الصيفية 

حسن بن محمد منصور مخزم الدغريري 

حسن بن محمد منصور مخزم الدغريري 

بسم الله الرحمن الرحيم 

  من سنة الحياة أنَّ الإنسان بحاجة إلى راحةٍ واستجمامٍ بعد طول عملٍ من ليلٍ أو نهار ؛ فلذا قال الله تعالى : ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ ۖ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ) ( القصص : ٧٢ ) وقال تعالى : ( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا ) ( الفرقان : ٤٧ ) قال الإمام ابن كثير في تفسيره : ” قوله : ( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا ) أي جعله لخلقه جنةً يجتنون فيها ، ويسكنون ، فصار لهم ستراً يستترون به كما يستترون بالثياب التي يُكسونها . وقوله : ( وَالنَّوْمَ سُبَاتًا ) أي جعل لكم النوم راحة تستريح به أبدانكم ؛ وتهدأ به جوارحكم . وقوله : ( وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا ) أي جعل النهار يقظةً وحياةً” وفي الحديث : ( أنَّ حَنْظَلةَ الأُسَيْديَّ رضي الله عنه ، وكان مِن كُتَّابِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال : لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ ، فَقالَ : كيفَ أَنْتَ يا حَنْظَلَةُ ؟ قالَ : قُلتُ : نَافَقَ حَنْظَلَةُ ، قالَ : سُبْحَانَ اللهِ ! ما تَقُولُ؟ قالَ : قُلتُ : نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يُذَكِّرُنَا بالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حتَّى كَأنَّا رَأْيُ عَيْنٍ ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِن عِندِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ ، عَافَسْنَا الأزْوَاجَ وَالأوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ ، فَنَسِينَا كَثِيرًا ؛ قالَ أَبُو بَكْرٍ : فَوَاللَّهِ إنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هذا ، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ حتَّى دَخَلْنَا علَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ ، قُلتُ : نَافَقَ حَنْظَلَةُ يا رَسُولَ اللهِ ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ : وَما ذَاكَ؟ قُلتُ : يا رَسُولَ اللهِ نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حتَّى كَأنَّا رَأْيُ عَيْنٍ ؛ فَإِذَا خَرَجْنَا مِن عِندِكَ عَافَسْنَا الأزْوَاجَ وَالأوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ ؛ نَسِينَا كَثِيرًا ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ : وَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ ؛ إنْ لَوْ تَدُومُونَ علَى ما تَكُونُونَ عِندِي وفي الذِّكْرِ ؛ لَصَافَحَتْكُمُ المَلَائِكَةُ علَى فُرُشِكُمْ وفي طُرُقِكُمْ ، وَلَكِنْ يا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً ؛ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ) رواه مسلم في صحيحه .

  ففي هذه الأيام التي يرتاح فيها الناس من عناء تعب العمل الحكومي أو الخاص ؛ ويقوم الناس في الإجازات الصيفية ، والعطل الرسمية بأعمال مباحةٍ ، ومفيدةٍ من زيارة الأقارب والأصدقاء ، أو رحلاتٍ في طلبٍ علمٍ للعلماء والأدباء ؛ أو عمرةٍ في مكة ، وصلاةٍ في المسجد النبوي ، والذكر والدعاء ؛ أو نزهةٍ بحرية أو برية أو جبلية في داخل بلادنا العزيزة مع الأهل أو الأصدقاء ؛ أو ممارسة للرياضة مع سائر الرياضيين ، والفضلاء أو بغير ذلك من الأعمال المباحة التي تجنى منها فوائد جمة ، ومقاصد عظمى ؛ فمنها استعادةٌ للطاقة الجسدية والعقلية . ومنها تحسينٌ للصحة النفسية بعد ضغوط العمل الطويل . ومنها زيادة الإنتاجية في العمل بعد طول راحةٍ واستجمام . ومنها الحفاظ على الصحة الجسمانية والبدنية . ومنها تعزيز العلاقات الاجتماعية ، والعائلية . ومنها الحد من الإرهاق الوظيفي الذي يؤدي إلى فقدان الحافز الذاتي ، والرغبة في العمل . ومنها زيادة الرضا الوظيفي . إلى غير ذلك من الفوائد للراحة بعد طول عمل وكد وتعب في هذه الحياة .

وليس معنى الراحة والاستجمام أن تقضى الإجازات الصيفية ؛ والعطل السنوية في السهر الطويل على القيل والقال ؛ وتضييع الأوقات بما لا فائدة فيه ؛ بل بما فيه مضرة غالبا إلى طلوع الفجر أو بعده بقليل ؛ ثم بعدها ينام الناس نومْاً عميقا إلى الليل عن الصلوات المكتوبات ؛ وغيرها من الواجبات ، والمستحبات .

فعلينا معشر القراء أن نحفظ أوقاتنا بما هو مفيد ونافع من قراءة كتاب الله ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ؛ وحضور مجالس أهل العلم الشرعي ؛ والاشتراك في دورات مهنية وعلمية نافعة مفيدة للعبد في مستقبل حياته ، وأن ندفع عن أنفسنا في هذه الإجازة كلَّ ما هو ضارٌّ وغير مفيد ؛ وصدق الله تعالى إذ يقول : ( وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ) ( العصر : ١ – ٣ ) وفقنا الله جميعاً لما يحبه الله ويرضاه ؛ وجنبنا كلَّ ما يسخطه ويغضبه علينا . اللهم آمين .

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى