Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
الأدب والشعر

ذكريات الولد الشقي..فتنة الشعر في عيون فارس العرب

فايل المطاعني

فايل المطاعني

يُقال إن الشعر لا يُولد في القلب فقط، بل يسكن الذاكرة ويطاردنا مثل نغمة قديمة لا نعرف من أين جاءت، لكنها تأبى أن ترحل.

وأنا، “الولد الشقي”، منذ أن كنت في العاشرة، لم أكن شقيًا بالكُتب فقط، بل كنت مشاغبًا بالكلمات، أتسلل إلى دواوين الشعر كما يتسلل الأطفال إلى الحلوى.

أحببت كثيرًا من الشعراء، لكن شاعرًا واحدًا ظلّت كلماته عالقة في قلبي، كأنها نقشٌ لا يزول.

إنه عمرو بن معد يكرب الزُبيدي، الفارس الشاعر، والسيف الذي صُنع من الحرف والدمع.

من هو عمرو بن معد يكرب؟

هو فارس من فحول العرب في الجاهلية والإسلام، من قبيلة زُبيد اليمانية، اشتهر ببسالته في القتال، حتى قيل إن سيفه كان لا يُخطئ، وكلماته كانت لا تُنسى.

قاتل في معارك الإسلام الكبرى، واشتهر بسلاحه الشهير “الصمصامة”، حتى صار اسمه مرادفًا للشجاعة والفروسية.

لم يكن شاعرًا فقط، بل كان صوتًا للحرب، وحنينًا للفقد، ونارًا في ميدان المعركة.

ومن أبياته التي التصقت بذاكرتي كأنها كُتبت لي أنا، لا له:

ذهب الذين يُعاش في أكنافهم

وبقيتُ في خلفٍ كجلد الأجربِ

يا لها من كلمات… تُبكيني كلما رددتها، ليس لأنني فهمت معناها حين كنت صغيرًا، بل لأنني اليوم أعيشها بكل ما تحمله من غصة.

لم أكن أدري أن الشعر يُمكن أن يُربّي فينا الحنين. كنت أردد بيت عمرو بن معد يكرب كأني أردده عني، لا عنه.

كنت أتخيله واقفًا بين أطلال قبيلته، يُنشد شعره لا ليُطرب، بل ليواسي نفسه، وها أنا بعد كل هذه السنوات، أجد في بيته المواساة ذاتها.

وكلما كبرتُ، كبرتْ معي تلك الأبيات، وكأنها لا تخصّه وحده، بل تخصّ كل قلبٍ أحب، ثم وجد نفسه وحيدًا، واقفًا كالسيف، حادًا، لا يلين… لكنه وحيد.

ذهب الذين أحبّهم

وبقيتُ مثل السيف فردا

وهل هناك شجنٌ أبلغ من أن تصف نفسك “كالسيف”؟ حادٌ في الظاهر، ينزف في الداخل.

الخاتمة

قد لا أكون شاعرًا، ولا فارسًا، لكنني “الولد الشقي” الذي تعلم من الفارس الشاعر كيف تكون الكلمة حصانًا، والبيت سيفًا، والقصيدة عزاءً.

وحين أردد:

ذهب الذين أحبّهم

وبقيتُ مثل السيف فردا

أشعر أن الزمن عاد طفلًا يجلس جواري، يحمل دفتر شعر، ويبتسم لي بخبث… ويهمس:

“ما زلتَ شقيًا… حتى في حب الشعر.”

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى