شهر الله المحرم


حسن بن محمد منصور مخزم الدغريري
أول شهور السنّة الهجرية شهر الله المحرم ؛ وحري بالمؤمن أن يستقبل العام الهجري الجديد بطاعة الله تبارك وتعالى ، والانصياع لأوامره ، وأن يقدم الإنسان لنفسه توبةً نصوحاً ، ورجعةً صادقةً يغسل بها ما مضى ، ويستقبل بها ما أتى ، قال تعالى : ( وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) ( النور : ٣١ ) وقال تعالى : ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ) ( طه : ٨٢ )
قال الشاعر :
قطعت شهور العام لهواً وغفلةً
ولم تحترم فيما أتيت المحرَّما
فلا رجباً وافيتَ فيه بحقَّهِ
ولا صمتَ شهر َالصومَ صوماً مُتمُّما
ولا في ليالي عشرِ ذي الحجةَ الذي
مضى كنت قوَّاماً ولا كنت محْرِما
فهل لك أن تمحو الذنوب بعبرةٍ
وتبكي عليها حسرةً وتندما
وتستقبل العام الجديد بتوبةٍ
لعلك أن تمحو بها ما تقدما
معشر القراء: لقد سمِّي شهر الله المحرَّمُ بهذا الاسم لتحريم الله القتال فيه ؛ ونسب إلى الله ؛ فقيل: شهر الله ؛ من باب التشريف والتعظيم له ؛ كقولنا : كعبة الله ، وناقة الله ، وسميت الأشهر الحرم الأربعة بهذا الاسم أيضاً لتحريم الله الظلم فيها ؛ من القتل وغيره ؛ قال الله تعالى : ( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ) ( التوبة : ٣٦ ) قال الإمام القرطبي رحمه الله في تفسيره على هذه الآية : ” خَصَّ الله تعالى الأشهر الحرم بالذِّكر ، ونهى عن الظلم فيها ؛ تشريفاً لها ، وإن كان منهياً عنه ” أي الظلم ” في كلِّ الزمان ” وقال تعالى : ( إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ ۖ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ ۚ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ) ( التوبة : ٣٧ )قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره : ” هذا مما ذمَّ الله تعالى به المشركين من تصرفهم في شرع الله بآرائهم الفاسدة ، وتغييرهم أحكام الله بأهوائهم الباردة ، وتحليلهم ما حرم الله ، وتحريمهم ما أحلَّ الله ، فإنَّهم كان فيهم من القوة الغضبية ، والشهامة ، والحمية ما استطالوا به مدة الأشهر الثلاثة في التحريم المانع لهم من قضاء أوطارهم من قتال أعدائهم ، فكانوا قد أحدثوا قبل الإسلام بمدةٍ تحليل المحرَّم ، وتأخيره إلى صفر ، فيحلُّون الشهر الحرام ، ويحرِّمون الشهر الحلال ، ليواطئوا عدةَّ الأشهر الأربعة ” وقال صلى الله عليه وسلم : ( الزَّمانُ قَدِ اسْتَدارَ كَهَيْئَةِ يَومَ خَلَقَ السَّمَواتِ والأرْضَ ؛ السَّنَةُ اثْنا عَشَرَ شَهْرًا ، مِنْها أرْبَعَةٌ حُرُمٌ ، ثَلاثَةٌ مُتَوالِياتٌ : ذُو القَعْدَةِ ، وذُو الحِجَّةِ ، والمُحَرَّمُ ، ورَجَبُ مُضَرَ الذي بيْنَ جُمادَى وشَعْبانَ ) رواه البخاري ومسلم ؛ قال الحسن البصري رحمه الله : ” إنَّ الله افتتح السنة بشهرٍ حرامٍ ، واختتمها بشهرٍ حرامٍ ، فليس شهرٌ في السنة بعد شهر رمضان أعظم عند الله من المحرم ، وكان يسمَّى شهر الله الأصم ؛ من شده تحريمه ” .
وقال أبو عثمان النهدي رحمه الله : ” كانوا ” أي السلف ” يعظِّمون ثلاث عشرات : العشر الأخير من رمضان ، والعشر الأول من ذي الحجة ، والعشر الأول من محرم ” فلنعلم أشهر العام جميعاً ومنها المحرم بطاعة الله ؛ ولنتجنب فيها الشرك ، والبدع ، والمعاصي ؛ خوفاً من الله وعقوبته ؛ وابتغاء لفضل الله وجنته ؛ والله نسأل الله ؛ أن يجعل عامنا الهجري الجديد عام خيرٍ وبركةٍ ؛ وأمنٍ وإيمانٍ ؛ وسلامٍ وإسلامٍ ؛ للمسلمين والمسلمات ؛ والمؤمنين والمؤمنات ؛ الأحياء منهم والأموات ؛ إنَّك يا ربنا مجيب ٌقريبٌ سميع الدعوات . اللهم آمين .