ذكريات الولد الشقي..”أنا والكتب.. حكاية عمر”


فايل المطاعني
يُقال إن أول كتاب تقرؤه يحدد مصيرك..
أما أنا، فكان أول كتاب قرأته هو “كتاب الحساب للصف الثاني”، وصدق من قال: البدايات لا تُبشّر بشيء!
لكن لا تخافوا، لم أظل أعدّ التفاحات والموزات طيلة حياتي، فقد قادتني الصدفة – أو ربما مشاغبتي المزمنة – إلى أن أقع في حب الكتب… ثم في ورطتها!
هذه ليست مذكرات قارئ ناضج يتحدث من برج عاجي… بل حكاية ولد شقي، دخل المكتبة ذات يوم وهو يفتش عن حيلة للهروب من الحصة، فخرج منها وهو محكوم بالأدب المؤبّد!
بدأت علاقتي بالكتب بسبب معلم صارم كان يعاقبنا بإعطائنا كتابًا لنلخصه. تخيلوا، العقاب عنده ليس حرمانًا من اللعب بل قراءة!
في البداية كنت أقرأ وأنا أُخرمش في الطاولة وأعدّ دقائق العذاب، لكن شيئًا ما تغيّر…
كان أول من صدمني هو دوستويفسكي!
دخلت عالمه من بوابة “الجريمة والعقاب”، واكتشفت أن المجرم في الرواية لا يلبس نظارة سوداء ويحمل مسدسًا، بل يعاني من صراع داخلي يُشبه جدال أمي وأبي حول “من نسي المفتاح؟”.
دوستويفسكي جعلني أفكر في الضمير، وتساءلت: هل أنا مذنب لأنني أكلت قطعة شوكولاتة خفية من الثلاجة؟ هل هذا هو صراع راسكولنيكوف؟!
ثم جاءني تولستوي، وكنت أظنه اسم ماركة شاي، فإذا به مؤلف “آنا كارينينا” و”الحرب والسلام”، الروايتين اللتين لو سقطتا على رأسي لاحتجت لجبيرة!
لكنه علّمني أن الحب والحرب لا يجتمعان إلا في الكتب الروسية… أو في حصة الرياضيات!
أما فرنسا، فقد أرسلت لي بلزاك، الذي كتب “الكوخ الكبير” ولم يكن يعني به بيت جدتي. بلزاك هو الذي كشف لي الوجه الآخر للمجتمع، وقال لي – دون أن يتحدث – إن العالم لا تديره الأخلاق، بل العلاقات…
ثم جاء فيكتور هوغو، بوجهه الحزين، وكتاب “البؤساء” الذين شعرت أنهم يشبهوننا أيام الامتحانات.
انتقلت بعدها إلى بريطانيا العظمى، فاستقبلني تشارلز ديكنز ببرودة إنجليزية، وقدّم لي “أوليفر تويست”، ذاك الطفل الذي يشبهني كثيرًا في مشاكساته، إلا أنني لم أطلب “المزيد” من الحساء أبدًا، كنت أهرب منه!
شكسبير؟ آه، ذاك الرجل يتكلم شعراً حتى في موته! عندما قرأت “هاملت”، تساءلت: أكون أو لا أكون؟ ثم قررت أن أكون الولد الشقي، وأبقى على طبيعتي!
قرأت لاحقًا لـألبير كامو، وواجهت عبث الوجود… شعرت أنني إذا أخبرت أمي بأفكاره، سترميني بـ”الوجود كله” خارج البيت.
لكن بالرغم من كل هذه الأسفار الفكرية، بقيت الكتب عالمي الموازي… فيه أصدقاء لا يملّون، ومعارك لا تؤلم، ونهايات قد تُحزنك لكنها لا تقتلك.
الخاتمة
في النهاية، تعلّمت أن الكتب مثل البهارات، هناك من يحبها حارة كدوستويفسكي، ومن يفضلها ناعمة كجين أوستن، وأنا؟ أحبها شقيّة مثلي!
القراءة ليست شيئًا تفعله وأنت نائم، بل شيء يوقظك وأنت تحلم.
ولذا، يا أصدقائي الشقيين، إن وجدتم كتابًا يضحككم ويبكيكم في الصفحة نفسها… فاعلموا أنه صديق العمر، تمامًا كولد شقي، قرأ عن العالم… فقرر أن يرويه على طريقته.