ذكريات الولد الشقي ..”نساء حول الولد الشقي “


فايل المطاعنى
“نساء حول الولد الشقي” ليست مجرّد صفحات من الذكريات، بل هي نوافذ مفتوحة على نساء مررن في حياة فتى مشاكس، مرهف، حكّاء بالفطرة…
منهن من رحلت قبل أن تكتمل الحكاية، ومنهن من زرعن فيه بذور الحنين والمعرفة، ومنهن من خطفن قلبه لحظات، ثم تبخّرن مثل حلم يقظة جميل.
في هذا الفصل، يفتح الولد الشقي صندوق أسراره، ويُخرج لنا لآلئه المخبأة… لا ليمجّد النساء، بل ليقول: “هؤلاء هنّ من صنعن جانبًا من شقاوتي… ومن إنسانيتي أيضًا.”
لكلٍّ منّا صندوق يحتفظ بذكرياته…
منّا من يملك شجاعة البوح، ومنّا من يُحكم إغلاقه، يخشى أن تفرّ منه اللحظات المختزنة بعطر الأمس.
أم فيصل… الرحيل المبكّر
هي أول من لقّبتني بـ “الحكواتي”.
كانت تقول منذ كنا صغارًا: “أنت حكواتي العائلة، يومًا ما ستصبح حكواتيًا شهيرًا.”
قبل مغادرتها للعلاج خارج السلطنة، كانت متفائلة جدًّا، واثقة بأنها ستعود قوية كما كانت، ولكن…عاد الجسد، لكن في تابوت.
لم أبكِ، فهي كانت تقول دائمًا: “لا تبكِ إن متُّ… أريد أن أراك قويًّا.”
نظرت إلى نعشها، ولساني يهمس: “أحبكِ يا أختي العزيزة.”
ريم… نصف عراقيّة ونصف جنّيّة
في أحد أيام مارس الربيعية، كنت بصحبة صديقي محمد صالح – أو “محمد العراقي” كما يحب أن يُعرف.
هو – وللأسف – عدوٌّ معلن للكائن اللطيف المعروف بـ “المرأة”، يسميها “الحرمة”، ويشبه العباءة السوداء بـ “الشادر الكئيب”!
وأنا؟ في معركة دائمة معه حول النساء… ومعركة “حبالها طويلة” كما يقول العمانيون.
وفجأة، وقفت أمامي فتاة لا تتجاوز الرابعة والعشرين، وهمست:
“الأستاذ فايل؟”
وكانت تفخّم الفاء فابتسمت، فأنا أعاني أيضًا من نطق اسمي!
قلت: “نعم، أنا هو.”
ابتسمت وقالت بحياء عراقي: “أريد أن أتحدث إليك بموضوع…”
نظرتُ إلى صديقي نظرة رجاء أن يتركني، وضربتُه من تحت الطاولة: “عشتار★ تريد أن تبوح بشيء.”
وفعلًا… انسحب، لكن عيناه الخضراوان اشتعلتا بالغيرة…كانت تشبه “هند كامل”، لكن بشيء من الترف والدلال، وخصلات شعرها الذهبي كسنابل القمح وقت الحصاد.
قالت: “اسمي ريم صالح…” ثم همست: “…الجنّيّة.”
دهشت… من أنا؟ حكواتي؟ أم صائد للجنّيّات؟
لكن… ما لبثت أن نظرت إلى ساعتها وقالت بارتباك: “اقتربت الساعة الثانية عشر!”
ونهضت كأنها سندريلا، أخبرتني برقم هاتفها وخرجت مسرعة… وأنا أتبعها بنظراتي، أبحث عن فردة حذاء أسطوري لأحتفظ بها!
فاطمة… زهرة مصرية في حارة البريمي
قصة “امرأة في حياتي” كتبْتُها وأنا في السابعة عشرة… تمامًا كأول بيت شعر كتبته وقلت فيه:
أنتِ الحياةُ وأنتِ الإشراق
يا ابنةَ النيلِ والعلماءِ
كانت جارتنا… في البريمي، ابنة معلّم مصري…تخجل الشمس أن تطل في حضورها.
علّمتني حب الكتب… وأهدتني أول كتاب في حياتي: “مع المصطفى” لبنت الشاطئ.
فاطمة… أول من علّمني أن الجمال الحقيقي يبدأ من الفكر.
يان الألمانية… نيكول كيدمان تُطعم المسنين!
في حفلة صاخبة لصديقي طارق (لا ليس الداعية!)، جلست كعادتي أراقب بصمت، حتى سمعت صوتًا مخمليًا يقول: “أنت!”
التفتُّ، فإذا بها نسخة ناعمة من نيكول كيدمان.
قالت: “ساعدني لنضع الطعام للمسنين.”
ظنّت أنني أمريكي، فضحكت وقلت لها: “أوّل ألمانية بهذا الجمال!”
قالت: “أنتم العرب… بارعون في الغزل.”
يان لم تكن فتاة أوروبية مترفة… بل إمرأة عملية، عرفت كيف تُربّي في قلبي حب العمل، والتقدير، والصدق في العطاء.
الخاتمة
مرّت في حياة “الولد الشقي” نساء كثيرات…
منهن من غرسن في قلبه بذرة الحنين، ومنهن من غادرن قبل أن يكتمل الحلم، ومنهن من كنّ عابرَات لحظة…
لكنهن جميعًا تركن أثرًا، صوتًا، عطراً، كتاباً… أو بيت شعر.
أنا لم أكن يومًا فارسًا، ولا مغامرًا، فقط كنت “الولد الشقي” الذي إذا ابتسمت له الحياة… ابتسم معها وقال:”شكراً… لكنّي ما زلت أحتفظ بالحذاء، في انتظار السندريلا القادمة !”