علو الهمة


حسن بن محمد منصور مخزم الدغريري
علو الهمة من أعظم صفات الناجحين ؛ وقد حثت عليه الشريعة الإسلامية ، وامتدحته في الكتاب والسنة ؛ وهو دافعٌ داخلي يحفز الإنسان إلى السعي لتحقيق المعالي ، وتجاوز العقبات ؛ والناس في علو الهمة ما بين مستقلٍّ ومستكثر : قال الله تعالى : ( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ) ( الأحزاب : ٢٣ ) وقال تعالى : ( رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ ۗ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) ( النور : ٣٧ – ٣٨ )
وقد جاء في الحديث : ( أنَّ فُقَرَاءَ المُهَاجِرِينَ أَتَوْا رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ ، فَقالوا : ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بالدَّرَجَاتِ العُلَى ، وَالنَّعِيمِ المُقِيمِ ، فَقالَ : وَما ذَاكَ ؟ قالوا : يُصَلُّونَ كما نُصَلِّي ، وَيَصُومُونَ كما نَصُومُ ، وَيَتَصَدَّقُونَ وَلَا نَتَصَدَّقُ ، وَيُعْتِقُونَ وَلَا نُعْتِقُ ، فَقالَ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ : أَفلا أُعَلِّمُكُمْ شيئًا تُدْرِكُونَ به مَن سَبَقَكُمْ ، وَتَسْبِقُونَ به مَن بَعْدَكُمْ ؟ وَلَا يَكونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنكُم إلَّا مَن صَنَعَ مِثْلَ ما صَنَعْتُمْ ؛ قالوا : بَلَى يا رَسولُ اللهِ قالَ . تُسَبِّحُونَ ، وَتُكَبِّرُونَ ، وَتَحْمَدُونَ ، دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ مَرَّةً . قالَ أَبُو صَالِحٍ : فَرَجَعَ فُقَرَاءُ المُهَاجِرِينَ إلى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ ، فَقالوا : سَمِعَ إخْوَانُنَا أَهْلُ الأمْوَالِ بما فَعَلْنَا ، فَفَعَلُوا مِثْلَهُ ، فَقالَ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ : ذلكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ) رواه البخاري ومسلمٌ في صحيحيهما ؛ وقال صلى الله عليه وسلم : ( مَن أنْفَقَ زَوْجَيْنِ في سَبيلِ اللَّهِ نُودِيَ مِن أبْوَابِ الجَنَّةِ : يا عَبْدَ اللَّهِ هذا خَيْرٌ ؛ فمَن كانَ مِن أهْلِ الصَّلَاةِ دُعِيَ مِن بَابِ الصَّلَاةِ ؛ ومَن كانَ مِن أهْلِ الجِهَادِ دُعِيَ مِن بَابِ الجِهَادِ ؛ ومَن كانَ مِن أهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِن بَابِ الرَّيَّانِ ؛ ومَن كانَ مِن أهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِن بَابِ الصَّدَقَةِ ؛ فَقالَ أبو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْه : بأَبِي أنْتَ وأُمِّي يا رَسولَ اللَّهِ ما علَى مَن دُعِيَ مِن تِلكَ الأبْوَابِ مِن ضَرُورَةٍ ؛ فَهلْ يُدْعَى أحَدٌ مِن تِلكَ الأبْوَابِ كُلِّهَا ؛ قالَ : نَعَمْ ، وأَرْجُو أنْ تَكُونَ منهمْ ) رواه البخاري ومسلم ، قال الحسن : ” من نافسك في دينك فنافسه ، ومن نافسك في دنياه فألقها في نحره ” وقال معاذ رضي الله عنه وهو على فراش الموت : ” اللهم إنَّك تعلم أنِّي لم أكن أحب البقاء في الدنيا ، ولا طول المكث فيها لجري الأنهار ، ولا لغرس الأشجار ، ولكن كنت أحبُّ البقاء لمكابدة الليل الطويل ، وظمأ الهواجر في الحرِّ الشديد ، ولمزاحمة العلماء بالركب في حِلَقِ الذِّكْر ” وقال وُهيب بن الورد : ” إن استطعت ألا يسبقك إلى الله أحدٌ فافْعَل “وقال ابن الجوزي : ” من علامة كمال العقل ؛ علوُّ الهمة ، والراضي بالدون دني ” وقال ابن القيم : ” فمن علت همَّتُه ، وخشعت نفسه ؛ اتصف بكلِّ خلقٍ جميل ؛ ومن دنت همته ، وطغت نفسه ؛ اتصف بكلِّ خلقٍ رذيل ” وقال أيضًا : ” العلم والعمل توأمان أمًّهُما علوُّ الهمة ” .
فهذا غيضٌ من فيضٍ من أقوال السلف رحمهم الله في علوِّ المهمة ؛ والتي تحملنا على الاستكثار من الأعمال الصالحة من طلب علمٍ أو تأليفٍ أو صلاةٍ أو صلةٍ رحمٍ أو دعوةٍ أو عملٍ تطوعي أو غيرها من الأعمال الصالحة التي يرجى ثوابها ؛ عند من لاتضيع عنده الحسنات ؛ اللهم تقبل منا إنَّك أنت السميع العليم ، وتب علينا إنَّك أنت التواب الرحيم ؛ واجعل خير أعمالنا أواخرها ؛ وخير أيامنا يوم نلقاك . اللهم آمين .