اغتنام الأوقات


حسن بن محمد منصور مخزم الدغريري
عندما يعرف الإنسان أنَّ مصيره إلى زوال ، وأن حياته الدنيا إلى فناء ؛ عند ذلك يندم ؛ ويتحسر على ضياع عمره سدى ؛ وحياته سبهللا ؛ وصدق الله تعالى إذ يقول : ( حتى إِذا جاءَ أحَدَهُمُ المَوتُ قالَ ربِّ ارجِعونِ * لعَلّي أَعمَلُ صالِحًا فيما تَرَكتُ كَلّا إنَّها كَلِمةٌ هو قائِلُها ومِن ورائِهِم بَرزَخٌ إِلى يَومِ يُبعَثون ) ( المؤمنون : ٩٩ – ١٠٠ ) فإن كان الانسان في حياته الدنيا حريصاً على العمل الصالح لكونه يعلم أنَّه خلق لعبادة ربه ؛ وطاعة مولاه ؛ فما أسعده فيها ؛ وما أحسن مصيره في الآخرة ؛ قال الله تعالى : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) ( النحل : ٩٧ ) وإن كان عاش على كفرٍ وبدعةٍ وضلالةٍِ ؛ فما أشقاه في الدنيا ، وأقبح مصيره في الآخرة ؛ وصدق الله تعالى إذ يقول : ( وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ۖ وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنسَىٰ * وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ ۚ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَىٰ ) ( طه : ١٢٤ – ١٢٧ ) فهلَّا من أوبةٍ صادقةٍ ما دمنا في زمن الفسحة والعمل ؛ واستغلال حياتنا الدنيا بالإيمان والأعمال الصالحة ؛ فالسعيد من وفِّق فيها لكل خيرٍ ؛ والشقي من مرت عليه ساعات عمره وحياته وهو في غفلةٍ عن ذكر الله ، وبعدٍ عن طاعة ربه ؛ ولذا أمر الله بحفظ الأوقات في كل ما يحبه ويرضاه ؛ قال الله تعالى : ( وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ) ( العصر : ١- ٣ ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( اغْتَنِمْ خَمْسًا قبلَ خَمْسٍ : شَبابَكَ قبلَ هَرَمِكَ ، وصِحَّتَكَ قبلَ سَقَمِكَ ، وغِناكَ قبلَ فَقْرِكَ ، وفَرَاغَكَ قبلَ شُغْلِكَ ، وحَياتَكَ قبلَ مَوْتِكَ ) رواه ابن أبي الدنيا في قصر الأمل ؛ وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم ٣٣٥٥ قال الإمام البخاري رحمه الله :
اغتنم في الفراغ فضل ركوعٍ
فعسى أن يكون موتك بغتة
كم صحيحٍ رأيت من غير سقمٍ
ذهبت نفسه الصحيحة فلتة
فما بالنا يا إخوتاه نضيع أوقاتنا في القيل والقال ، والغيبة والنميمة ، وبما لا فائدة منه في الحال والمآل ؛ بل بما فيه مضرة غالباً ؛ قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: “ارتحلت الدُّنيا مدبرةً ، وارتحلت الآخرة مقبلةً ، ولكلِّ واحدةٍ منهما بنون ، فكونوا من أبناءِ الآخرةِ ، ولا تكونوا من أبناءِ الدنيا ؛ فإنَّ اليومَ عملٌ ولا حساب ، وغداً حساب بلا عمل ” رواه البخاري في صحيحه ؛ اللهم وفقنا لهداك ؛ واجعل عملنا في رضاك ؛ وتب علينا ؛ واعف عنَّا ما بدر منا من ذنوبٍ وقصورٍ ؛ إنَّك أنت البر التواب . اللهم آمين .