ذكريات الولد الشقي..”حُلم الطيران”


فايل المطاعنى
هناك لحظات صغيرة، تمرّ بنا في طفولتنا، لا ندرك حينها أنها ستكون بذورًا لأحلامٍ كبيرة… أحلامٍ تُحلّق بنا عاليًا، قبل أن يُفاجئنا الواقع بجناحه الثقيل.
أنا ذلك الولد الشقي، الذي لم يكن يكتفي بالركض خلف الطائرات الورقية، بل كان يحلم أن يصبح أحد أولئك الذين يقودون الطائرات الحقيقية، ويخترقون الغيم بشجاعة الكبار ودهشة الصغار.
منذ أن كنت صغيرًا، كنت أعشق لعبة الطائرة الشراعية، تلك التي نصنعها بأيدينا ونطلقها في السماء، فترتفع ومعها ترتفع قلوبنا الصغيرة فرحًا.
كنا نركض تحتها، نصرخ من فرط البهجة، وعيوننا تلمع وهي تراقبها تتراقص في الفضاء. كان شيئًا بسيطًا، لكنه في داخلي كان شرارة لحلم أكبر.
كبرت، وكبر معي حلم الطيران.
كنت أركض نحو النافذة كلما سمعت هدير طائرة، أرفع يدي وألوّح، كأن الكابتن سيراني ويردّ التحية.
كنت أؤمن أنني يومًا ما سأكون هناك، خلف المقود، في السماء، حيث لا حدود للحلم.
اجتهدت، درست، سعيت بكل قلبي للدخول إلى كلية الطيران…
لكن القدر كان له رأي آخر.
نظرِي الضعيف كان العائق الذي لم أحسب له حسابًا.
قال لي الضابط الذي أجرى لي الاختبار:
“مستحيل تقود طائرة وأنت لا ترى بوضوح.”
كانت تلك أول صدمةٍ حقيقية أتلقّاها في حياتي.
وأعترف أنها لم تكن الأخيرة… لكنّها علّمتني أن بعض الأحلام، لا تطير، بل تبقى معلّقة بين القلب والعين، نراها بوضوح، ولكن لا نبلغها.
وإن سألتموني اليوم:
“ما أكثر الطائرات التي تحبها؟”
سأقول: جميعها تأسرني، لكن يبقى لطائرة واحدة مكانة خاصة في قلبي…
“داسو رافال” – الطائرة الفرنسية الحربية، ليست فقط لقوتها ولا لاسمها الذي يعني “انفجار النار“، ولكن لأنها تجسّد ما تمنّيت أن أكونه: طيارًا يقود بكل جرأة، ويواجه السماء بشغف لا يخبو.
لم أطِر بطائرة، لكنني حلّقت بالحلم…
وإن كان الحلم لم يتحقّق كما أردت، يكفيني أنني حلمت.
لعلّ بعض الأحلام لا تتحقق لنعيشها، بل لنكتبها، ونتركها تطير في سماء القلوب الأخرى…
تمامًا كما كانت طائرتي الورقية، تحلّق يومًا، وتُسقط فينا ضوءًا لا يُنسى.