تعلّم أن تقول: لا


نجاح لافي الشمري الحدود الشمالية رفحاء
في عالمٍ يسوده التزاحم والطلبات المستمرة من كل جهة، تصبح كلمة “لا” من أندر الكلمات التي نستخدمها، رغم بساطتها. كثيرون منا يجدون صعوبة في نطقها، ليس لأنها معقّدة، بل لأنها تحمل في طيّاتها مخاوف من الرفض، أو الإحراج، أو الشعور بالأنانية. لكن الحقيقة أن قول “لا” مهارة ضرورية لحياة صحية ومتوازنة.
لماذا يصعب علينا قول “لا”؟
الخوف من إزعاج الآخرين: نربّي أحيانًا على مبدأ أن إرضاء الآخرين أهم من راحتنا الشخصية، مما يجعلنا نقول “نعم” رغم عدم رغبتنا.
الشعور بالذنب: بعض الأشخاص يشعرون أن رفض الطلبات يجعلهم أقل عطاءً أو غير متعاونين.
الرغبة في القبول: نقول “نعم” لأننا نخشى أن يُساء فهمنا أو يُنظر إلينا على أننا غير مهتمين.
متى يكون “لا” ضرورية؟
عندما يُطلب منك شيء يُرهقك نفسيًا أو جسديًا.
عندما يُستغل وقتك أو جهدك من دون تقدير حقيقي.
عندما تعارض القيم أو المبادئ التي تؤمن بها.
عندما تحتاج إلى وقت لنفسك، للراحة أو التطوير الشخصي.
كيف تقول “لا” بطريقة محترمة؟
كن صريحًا ولكن لطيفًا: لا تحتاج إلى تبرير طويل، عبارة بسيطة مثل: “لا أستطيع مساعدتك في هذا الأمر الآن” تكفي.
استخدم تعابير بديلة: “أقدّر طلبك، ولكن لا يمكنني الالتزام بذلك حاليًا.”
درّب نفسك على قولها: كلما استخدمتها أكثر، أصبحت أسهل.
ضع حدودًا واضحة: تعلّم أن وقتك مهم، وأن احترام ذاتك يبدأ من قدرتك على وضع حدود للآخرين.
فوائد قول “لا”
زيادة احترام الذات: لأنك تضع احتياجاتك في المقدمة بطريقة متزنة.
تحكم أكبر في وقتك وطاقتك.
علاقات صحية: تقوم على الاحترام المتبادل، وليس على التضحية الدائمة من طرف واحد.
تعلّم أن تقول: لا (الجزء الثاني)رحلة التحرر من الإرضاء المفرط
التأثير النفسي لعدم قول “لا”
عندما تقول “نعم” باستمرار على حساب نفسك، يبدأ هذا النمط في التأثير على صحتك النفسية والعاطفية. قد تشعر بـ:الإرهاق المزمن بسبب كثرة الالتزامات.
الإحباط لأنك لا تعيش وفق أولوياتك.
فقدان الهوية، حيث تصبح حياتك مكرسة لتلبية رغبات الآخرين دون وعي.
القلق والتوتر الناتج عن محاولتك إرضاء الجميع.
التراكم اليومي لهذه المشاعر يخلق في النهاية بيئة خصبة للاحتراق النفسي.
المجتمع وثقافة الخضوع
في بعض المجتمعات، خاصة المحافظة أو الجماعية، يُنظر إلى “قول لا” على أنه تمرد أو قلة احترام. يُربى الناس منذ الصغر على الخضوع والطاعة، لا سيما النساء، ما يصعّب عليهم لاحقًا أن يعبّروا عن حدودهم بوضوح.
لكن في الحقيقة، احترام الذات يبدأ عندما نتوقف عن العيش تحت رحمة “ماذا سيقولون؟”.
قول “لا” في العمل
في بيئة العمل، يعتقد البعض أن رفض المهام الإضافية أو الاجتماعات غير الضرورية قد يهدد مستقبلهم المهني. لكن العكس قد يكون صحيحًا، فالموظف الذي يعرف كيف يدير وقته ويرفض المهام غير الضرورية يُنظر إليه غالبًا على أنه محترف يعرف أولوياته.
لا” في العلاقات الشخصية
أكثر العلاقات سُمّية هي تلك التي تعتمد على طرف يُعطي دائمًا وطرف يأخذ دون توقف. تعلّم قول “لا” لشريك، صديق، أو حتى أحد أفراد العائلة لا يعني أنك ترفض حبهم، بل ترفض أن تستغل
قول “لا” ليس نهاية العلاقة
من يقدّرك حقًا لن يرحل عندما ترفض له طلبًا. بل سيحترم حدودك ويفهم أن العلاقات المتزنة تقوم على التفاهم، لا على التضحية المستمرة من طرف واحد.
“لا” ليست كلمة قاسية. إنها أداة دفاعية، سور تحمي به ذاتك، وقتك، طاقتك، وكرامتك. إذا لم تقل “لا” في الوقت المناسب، فستضطر لاحقًا إلى قول “نعم” لأشياء تدمّرك. تذكّر أن قول “لا” هو أيضًا قول “نعم” لنفسك.
ابدأ صغيرًا، وكن صادقًا، ولا تخف من خيبات مؤقتة. الحرية الحقيقية تبدأ من لحظة تختار فيها نفسك