الملك الذي أضاء قلبه القمر


محمد بن العبد مسن
في أعماق الجنوب الهندي، حيث تتعانق غابات “مالابار” مع شواطئ بحر العرب، وتتناثر النخيل على ضفاف العطور، كان هناك ملك يُدعى شيرام الفيني، حاكمًا لمملكة تتغذى من نبع الحضارة وتتنفس عطر الأساطير. ذات ليلة، بينما كان القمر يرسل نوره على أهداب الصمت، رأى الملك رؤيا هزّت كيانه وخلخلت يقينه: القمر قد انشق نصفين، ونور عظيم يسطع من جهة الغرب، كأن شمسًا أخرى قد بزغت على غير عادتها.
استيقظ شيرام فزعًا، والدهشة تكسو ملامحه. جاب قصره الملكي، يتنقل بين كهنة المعابد وحكماء الزمان، يسألهم عن سرّ هذا المشهد العجيب، فتلعثمت أفواههم وتباينت تأويلاتهم… حتى قال أحدهم بصوت خافت: “أيها الملك، إنها علامة من علامات نبي يظهر في الغرب”.
مرت الأيام، وفي أحد المواسم التجارية، رست سفن العرب المسلمين على شواطئ الهند، وكان فيهم نفرٌ من صحابة رسول الله ﷺ أو من التابعين. سمع بهم الملك، فاستدعاهم إلى مجلسه وسألهم عن رؤياه. فابتسموا بإيمان، وأخبروه أن ما رآه كان معجزة انشقاق القمر التي أيد الله بها نبيه محمدًا ﷺ في مكة.
انبهر الملك، وشعر أن قلبه ينجذب إلى ذلك النور القادم من الصحراء. لم يتردد، بل أعلن عزمه أن يسافر مع هؤلاء القوم إلى بلاد العرب. ركب البحر، وشق الأمواج بشوق لا يوصف، حتى وطئت قدماه أرض المدينة المنورة، وهناك… التقى بالحبيب المصطفى ﷺ.
وقف أمامه، تتساقط في حضرته كل أوهام العظمة والملك، وأسلم قلبه قبل لسانه. فأسلم بين يدي النبي ﷺ، وسمّاه رسول الله: تاج الدين.
لكن الأقدار شاءت أن لا يعود الملك إلى عرشه، فقد وافته المنية وهو في طريق العودة، ودُفن في أرض ظفار العمانية، حيث يرقد اليوم جسد رجلٍ هاجر من ملك الأرض إلى نور السماء.
وقبل أن يُسلم الروح، أوصى تاج الدين أن يُبلّغ قومه رسالة الإسلام. فحمل الصحابة الأمانة، ومضوا إلى مملكة “مالابار”، وهناك شُيّد أول مسجد في الهند عام 629م، في مدينة كودونغلو، وسُمّي مسجد شيرام جمعة (Cheraman Juma Masjid)، ولا يزال شامخًا إلى اليوم، يروي قصة نورٍ أتى من الغرب، فأسلم له المشرق.
✦ تأملات:
• لم يدخل الإسلام الهند بسيفٍ ولا بجيشٍ، بل دخلها بصدق التجّار، وعطر الأخلاق، ونور المعجزة.
• دخل الإسلام قلوب الناس قبل أن يدخل بيوتهم، فكان مفتاحه الحب والسلام.
• لقد كان شيرام الفيني مثالًا لمن سمع النداء من بعيد، فلبّى بلا تردد، وارتقى بلا رجوع.
فها هو قبره في صلالة العُمانية، يروي للأجيال كيف أن نورًا خرج من مكة، فشقّ القمر، وأضاء قلوب الملوك، وبلغ تخوم الهند… لا بالسيف، بل بالحقيقة.