بأسم أبي سند أسَمَّى


وجنات صالح ولي
من كأبي؟
هو عالمٌ موازٍ نعيش فيه طوال حياتنا، مستقرون فيه كأننا في وطنٍ لا نلجأ لغيره.
الأب هو معطف الأمان، هو راحةُ القلب وسَكنُ الأرواح، هو الرحمةُ التي تغلف أيامنا، والدعاءُ الذي يلامس عنان السماء.
يصارع الحياة بقوّةٍ وقسوة، فقط لنكون في مأمنٍ من ضررها،وإن قسى علينا يومًا، فإنّ في قلبه مواطنَ من الرأفة والرحمة لا تزول،
منه نستمدّ قوتنا وصلابتنا مع مرور الأيام والسنين.
هو من يبني فيك الرجولة كما تمنى،هو من تبكي على جدار قلبه،هو ملجأك الأول في كل ظرفٍ طارئ،
ومنذ خروجك من باب بيتك، يلاحقك سؤاله، وتحفّك رسائله: “طمّني عنك.”
هو الجسر الذي تعبر به صعوبات الحياة،ويكفي من وجهه المتعب إبتسامة،حتى إن خفتت أو علا صوته بنبرة غضب،يبقى حديثه الأجمل، وصمته الأدفأ، ووجوده بلسمًا يبدد وحشة الأيام.
وجوده بخير يجعلنا نألف الحياة…تسري أنفاسه داخلنا برفق فتهدأ أرواحنا.لكن حين يرحل…
تنطفئ النصيحة، وتموت بهجة القلب،ونقف وحدنا على قارعة الأيام، لا يسندنا سوى إسمه، ولا يرافقنا سوى دعواته.حينها فقط تبدأ معارك الحياة الحقيقية،
وتكتشف أن رحيله أقسى صفعةٍ تتلقاها في عمرك،
وأنّ والدك كان ربان سفينتك التي أبحرت بك بصبرٍ وحكمة.
قد تندم…حين تتذكر تجاهلك لنصائحه،أو تجاوزك للحدود التي وضعها ليحميك،لكن لن يبقى لك سوى أن تواجه كل ذلك وحدك، بصمت لا يسعفك فيه الحديث.
وحين تطبع آخر قبلةٍ على جبينه البارد،وتنظر إلى جسده الساكن، وصوته الذي ملأ المكان وقد خفت،
تدرك أن العودة إليه باتت مستحيلة،وأنك خسرت عالمك الذي لم تعرف قيمته تمامًا إلا حين اختفى.
تذكّر دائمًا…
أنّه، ومهما كان، يكفيك فخرًا أنه ختم بك إسمه،
وصوته، ما دام في الحياة، كان حياةً أخرى تعيشها بين عامٍ وآخر.وفي نهاية المطاف،
اللهم ارحم أمًا أنجبتني، وأبًا ختم إسمي به رحمك الله أبي “صالح ” .