جميلة


نجاح لافي الشمري _الحدود الشمالية_ رفحاء
تجربة دخول المستشفى ليست سهلة على أي إنسان، فهي لحظة تختلط فيها المشاعر بين القلق والرجاء، وبين الألم والأمل. عندما تخطو قدماك نحو قسم الطوارئ أو تستقر على سرير أبيض في غرفة معقمة، تدرك أن الصحة هي النعمة الأعظم التي قد نغفل عن شكرها في زحمة الحياة.
في المستشفى، تتلاشى الفوارق الاجتماعية والمظاهر، فالجميع يرتدون ذات الأثواب البيضاء، وتصبح الكلمة الطيبة والابتسامة الصادقة هما أغلى ما يُقدَّم. تتجلى في هذه اللحظات إنسانية الطاقم الطبي الذي يسهر على راحة المريض، ويُقدم الرعاية بكل تفانٍ، رغم صعوبة العمل وضغط المسؤولية.
قد يكون دخول المستشفى بداية جديدة، لا نهاية مؤقتة. بداية لأسلوب حياة أكثر وعيًا، ولتقدير أعمق للصحة والعافية. إنها فرصة لإعادة التفكير، والتمسك بالأمل، ومراجعة النفس فيما مضى وما هو آتٍ.
وأثناء الإقامة في المستشفى، قد تتاح لك الفرصة للتعرف على مرضى آخرين يشاركونك نفس الغرفة أو تقابلهم في الممرات أو صالة الانتظار. هؤلاء الأشخاص قد يتحولون من غرباء إلى أصدقاء مميزين، يجمعكم المكان والظرف الصحي المشترك، فتبدأ الأحاديث، وتُروى القصص، ويتبادَل الدعم المعنوي.
المستشفى ليس فقط مكانًا للعلاج الجسدي، بل قد يكون أيضًا مساحة تتكوَّن فيها علاقات إنسانية عميقة، تُخفِّف من وطأة المرض وتُشعر المريض بالأمان والانتماء. من بين هذه العلاقات، تأتي صداقات المرضى التي تنشأ بشكل طبيعي في لحظات الصمت، أو عند تبادل نظرات المواساة، أو حتى في انتظار الطبيب والممرض.
عندما يجتمع مرضى في غرفة واحدة، يبدأ كل واحد منهم بملاحظة الآخر، ثم يأتي السلام، ثم الحديث. قد تبدأ المحادثات مثل ما حصل معي أثناء إقامتي في المستشفى.
جميلة؟؟
في عالمٍ تملؤه الأقنعة والتصنُّع، تبرز بعض الشخصيات بنقاء خاص، يشدّك إليها دون أن تبذل جهدًا، شخصيات جميلة لا لأنها مثالية، بل لأنها عفوية، صادقة، تتصرف على سجيتها، وتقول ما تشعر به دون تكلُّف. تلك العفوية ليست ضعفًا أو سذاجة، بل هي قوة ناعمة، تبني جسور القرب بسرعة وتترك أثرًا لا يُنسى.
الشخصية العفوية لا تجيد التمثيل، ولا تخفي مشاعره خلف كلمات منمقة. تراه تضحك من قلبه، وتبكي إذا تتألم، وتعبر عن حبها وخوفها ودهشتها ببساطة وصدق. لهذا تشبه الأطفال في صدقها، والكبار في حكمتها، لأنه لا تزيف نفسها لإرضاء أحد.
جمال هذه الشخصية يكمن في تلقائيتها في حديثها العشوائي الذي يضحكك من دون ترتيب، في إجابتها الصادقة حتى على أبسط الأسئلة، وفي طريقتها الخاصة في رؤية الحياة. فهي لا تجهد نفسها لتكون مثالية، بل تكون فقط… “هي”.
وفي زمن أصبحت فيه العلاقات تُبنى على المصالح، والكلمات تُقاس قبل أن تُقال، فإن وجود شخصية عفوية حولك يُشبه العثور على بقعة ضوء وسط ظلام.
Najeh-000@